مكتبة الأدب العربي و العالمي
المزمار_السحري الجزء الثالث
قال احمد لبدور عندما أخبرتيني عند الغدير أنكِ تسمعين صوت عزفي، أدركتُ حينها أنكِ فتاةٌ إستثنائية.. لهذا السبب لحقت بكِ الى هنا ولم أتخلى عنكِ..
فهذا المزمار الذي أحمله هو مزمار عجيب.. لا أحد يتمكن من العزف عليه أو سماع ألحانه سوى…….
وفي تلك الأثناء.. قاطعهما الغول بظهوره المفاجئ حيث قال لهما بصوته البطيئ :أنا جائع… وقد حان وقت الطعام…
لكن احمد أسرع بتقديم إحدى نعجاته للغول.. فحملها الاخير وانصرف.. فقال احمد :
لقد كسبنا يوماً إضافيا.. علينا بالإستفادة منه خير استفادة..
لكن مرةً أخرى، فقد باءت مساعيهما الحثيثة في العثور على مهربٍ من هنا بالفشل التام..
وأثناء الليل..
جلست بدور وقد وضعت رأسها بين ركبتيها وصارت تبكي بهدوء..فاقترب منها احمد وشرع بمواساتها،
فسمعها تقول :ليتني ما تركت بيتي وأمي.. وليتني رضيت بالذي خططته أمي لمستقبلي.. فهي إمرأةٌ حكيمة.. وتعرف ما هو الأصلح لي..
قال هو :لقد أردتي أن تكون لكِ كلمةٌ أيضاً يا سلوى.. فهذه حياتكِ التي تتحدثين عنها… فهوني عليكِ الأمر.. ولا تحمّلي نفسكِ مسؤولية ما حدث..
إلتفتت بدور الى احمد وقالت :أحقاً يا أحمد؟؟.. ألا تراني مخطئةٌ في فعلتي؟؟
قال :وكيف يكون مخطئاً من يريد أن يقرر مصيره بيده؟؟.. والزواج أمر مصيري يا سلوى.. أفلا ترين ذلك؟؟
مسحت بدور دموعها وقالت :بلى يا احمد، أرى ذلك جليّاً الآن بفضلك.. فشكراً لك..
ابتسم الاثنان لبعضهما، ثم قالت له :لكن ما فائدة إدراك ذلك الآن ونحن على وشك الموت..
قال :أنا لن أدخر جهداً في البحث عن وسيلةٍ لخروجنا من هنا يا عزيزتي سلوى، فلا تقلقي..
ثم مد كفه فوضعها فوق يدها.. لكنها سحبت يدها برويّة وقالت باستحياء :احمد….. كفّ عن ذلك..
آنذاك.. نهض هو واعتذر إليها قائلا :آسف حقاً يا سلوى فلقد اندفعتُ قليلا..
أعدكِ بأنني لن أجرؤ على لمسكِ ثانية.. فاطمئنّي من ناحيتي..
ثم استدار وابتعد عنها..فشعرت هي بتأنيب الضمير لأنها صدته بتلك الطريقة.. فأرادت أن تخاطبه لتشعره بأنها ليست غاضبةً منه، لكنها لم تجد الكلمات المناسبة..
وهنا.. التفت هو إليها وقال :سلوى…
فأسرعت هي بالرد قائلةً :نعم يا احمد.. ماذا تريد؟؟
تلهفت بدور لمخاطبة احمد، فسره الاخير تفسيراً خاطئا.. فقد ظن أنها لا تزال منزعجةً مما حصل.. فقال :
أرى أنكِ ما زلتي تحملين في صدركِ شيئاً ضدي.. حتى أنكِ لم تقبلي اعتذاري الصادق بعد..
ثم استدار مرة أخرى وابتعد.. فدهشت هي وقالت :
كلا يا احمد.. انتظر..
لكنه واصل طريقه قائلا :
ارتاحي الليلة يا سلوى.. وحاولي أخذ قسطٍ من النوم فأنتي بحاجةٍ إليه، وسأسهر على حمايتكِ فلا تخافي..
ثم جلس بعيداً عنها يراقب المكان..
فجلست بدور في مكانها وهي محبطة.. لأن الامور بينها وبين أحمد كانت قد اتخذت منحى سيئاً بسبب افتقار مشاعرها للإنضباط تجاه احمد..
فتمددت لتنام.. لكن النوم كان قد جافى مضجعها.. فأخذت تتقلب على جنبيها وهي تفكر فيه.. ثم فتحت عينيها وجعلت تنظر إليه وهو يجلس وحيداً بعيداً عنها هناك..
قالت في نفسها :ما أغرب هذه المشاعر التي تراودني الآن تجاه ذلك الشاب!!!.. لكنه ليس سوى راعٍ بسيط… أيعقل أن يكون شريكي في واحدة من قصص مغامرات الحب التي كنت أسمعها..؟؟
هل سخر القدر مني وجعلني أعلق مع هذا ال……فتى البائس كعقوبةٍ لي على هروبي من القصر..؟؟
كنت أتوقع أميراً حقيقيا، لكن هذا ما حصلت عليه..
واستمرت تلك الأفكار ونحوها تراود بدور حتى نامت في النهاية..
أما احمد فقد نظر الى مزماره ثم قال :
يفترض بهذا المزمار العجيب ان لا يتمكن أحد من العزف عليه أو سماع نغماته سوى من يحمل في قلبه بذرة الحب الحقيقي..
لكن تلك الفتاة كانت قد سمعته.. وهي كما اتضح لي مجرد فتاةٍ ريفية ساذجة ولا يمكن أن تعرف ماهيّة الحب…
وحتى الغول الاحمق قد سمع عزفي وهذا يعني أنه قد تم خداعي وأن المزمار معطل أو مجرد مزمارٍ عادي..
ثم ألقى بالمزمار بعيداً بعصبية..
.
وفي صبيحة اليوم التالي..حضر الغول الى حيث تنام بدور.. فاستيقظت مرعوبةً من وقع خطواته، فسمعته يقول :
أنا جائع..لكن هنا.. ظهر احمد وهو يحمل نعجةً أخرى، فأخذها الغول وانسحب..
ثم التفت احمد الى بدور وقال :هيا لنسرع الى قلعة الغول الخربة.. فهي المكان الوحيد الذي لم نفتش فيه عن مخرج..
قالت :أمجنونٌ أنت؟؟ وماذا لو قبض علينا الغول؟؟
أجاب :لا تخافي.. فالغول سيأخذ النعجة الى الحديقة خارج القلعة.. حيث سيشعل ناراً ثم يشوي النعجة ويلتهمها.. وبذلك سيتوفر لنا الوقت الكافي لإنجاز مهمتنا..
تسلل الاثنان من بعض التصدعات الى داخل القلعة القديمة.. ثم افترقا للبحث..
قالت هي :عن ماذا نبحث بالضبط؟؟
قال :عن أي شيئٍ غير طبيعي.. فهذا المكان محكومٌ بالقوى العجائبية للغول.. وأعتقد بأن نقطة ضعف الوحش، في مكانٍ ما هنا..
لكن أثناء البحث، أوقعت بدور عن طريق الخطأ مزهريةً كبيرة على الأرض فتحطمت..
فجمد الاثنان في مكانيهما بسبب قوة الضجة التي حدثت.. وتمنّيا أن لا يكون الغول قد سمعها..
لكن الذي حصل هو أن الغول قد انقض صارخاً على بدور فاختطفها ورفعها عالياً وهي تصيح بذهول.. فركض احمد نحوها لكن الغول رطمه بظاهر كفه فقذف به نحو الجدار فارتطم به وسقط مغشياً عليه………
يتبع في الجزء الرابع
من قصصحكايا العالم الاخر