الرئيسية
قراءة أدبية لـقصيدة لُمّي شراعكِ لشاعرالأمة محمد ثابت بقلم الأديب الكويتي / خالد المويهان (مدير مركز الشعر الإعلامي
شاعر الأمة محمد ثابت

قراءة أدبية
لـقصيدة لُمّي شراعكِ لشاعرالأمة محمد ثابت
بقلم الأديب الكويتي / خالد المويهان
(مدير مركز الشعر الإعلامي)
⸻
قصيدة لُمّي شراعكِ للشاعر محمد ثابت ليست مجرد بوحٍ عاطفي عابر، بل هي مرآة لوجع إنساني يختزن بين سطورها عُمق التجربة العاطفية حين تتحوّل من دفءٍ إلى جرح، ومن أملٍ إلى انكسار. يطلّ علينا الشاعر من نافذة النص محمّلاً بصوت الروح الموجوعة، التي تبحث عن خلاصٍ بعد أن ضاقت عليها مساحة الرجاء.
العنوان ودلالته
منذ العنوان “لُمّي شراعكِ” نلمح نبرة حاسمة، كأنها إعلان إبحارٍ معكوس، حيث لا يتجه الشاعر نحو ضفاف اللقاء بل نحو نهاية الرحلة. “الشراع” رمز للسفر والحرية، لكن فعل “لُمّي” يحوّله إلى صورة انطواء وانسحاب، فيغدو العنوان إعلان قطيعة أكثر منه دعوة للبقاء.
بنية النص وصوت الحزن
في المطلع:
“لُمّي شراعكِ من سفيني / ولترحلي لا تخدعيني”
يتبدّى صوت الشاعر كأنه يخاطب أطلال حبٍ ذاب وانتهى. اللغة هنا ناصعة في وضوحها، مباشرة في صدقها، لكنها في الوقت نفسه مشحونة بطاقة شعورية مكثفة تجعل المتلقي يعيش مع الشاعر لحظة المواجهة الصعبة.
ثم يواصل:
“قد ماتتِ الأشواقُ عندي / مات في صدري حنيني”
في هذا البيت يتحول الانطفاء الداخلي إلى إعلان موتٍ رمزي، موت العاطفة التي كانت يومًا حياة كاملة. وموت الحنين هنا ليس مجرد فقدٍ، بل تحوّل جذري في وجدان الشاعر، وكأن القلب صار مقبرةً للأحلام.
جدلية الذكرى والحاضر
القصيدة تتحرك بين زمنين: زمن الذكرى وزمن اللحظة الراهنة. فالذكرى تُطلّ من خلال الكأس والليالي الماضية، والحاضر يتجسد في دمعة الجفن القريح وسهم الطعنة التي أصابت مهجة الشاعر.
نجد صورة مكثفة في قوله:
“سهمٌ أضرّ بمهجتي / وأضرّ بالقلب الصحيح”
وهذه الصورة تحمل ازدواجية: فالسهم أصاب قلبًا كان “صحيحًا”، أي نابضًا بالحب، لكنه الآن غدا جريحًا لا شفاء له.
التصعيد نحو القطيعة
يتصاعد النص نحو لحظة الحسم:
“لُمّي شباككِ وارحلي / ما عاد وقتٌ للعتاب”
وهنا يعلن الشاعر أن مساحة الصبر انتهت، وأن التلون في “أشكال الثياب” بات مسرحًا للزيف. يتبدّى الصوت الشعري وقد تخلّى عن الأمل نهائيًا، ليعانق الحقيقة المؤلمة بلا مواربة.
الموسيقى والإيقاع
النص يتحرك على وقع بحرٍ عاطفي يفيض بالأنين، وإيقاعه يتماوج مع حرارة المعنى. التكرار في مفردة “لُمّي” يمنح القصيدة بُعدًا إنشاديًا ويعزز قوة الإيقاع الداخلي. كما أن القوافي المتوالية (العتاب/الشباب/السراب) تُرسّخ الانكسار عبر موسيقى حزينة تُشبه وقع الخطوات في ممر مظلم.
الصورة الشعرية
تنوّعت الصور بين المحسوس والمعنوي:
• الكأس رمز للذكرى العابرة.
• الليل تجسيد للعزلة والوحدة.
• السهم صورة للفقد الجارح.
• الشراع والشباك رموز للرحيل والقطيعة.
هذه الصور لم تأتِ متكلفة، بل وُلدت من عمق المعاناة، لتخلق لوحة مكتملة العناصر.
الخاتمة والثبات بعد الانكسار
النهاية جاءت كإعلان انتصارٍ على الألم:
“لا ترجعي ولّت عهودُ / الحبّ والإخلاص مات”
فهنا يتحوّل الانكسار إلى قوة، والحب الضائع إلى درسٍ باقٍ. لم تعد العودة ممكنة، ولم يعد الرجاء قائمًا؛ بل بقيت الحكمة التي صاغها الشاعر بمداد الدموع.
—–
بقلم الأديب الكويتي / خالد المويهان
(مدير مركز الشعر الإعلامي)
⸻
الخلاصة
قصيدة لُمّي شراعكِ ليست مجرد نداء للحبيب بالرحيل، بل هي شهادة وجدانية على تحوّل العاطفة من حلمٍ إلى سراب، ومن حياةٍ إلى جرح. إنها قصيدة الصراع بين الذكرى والحاضر، بين القلب المخلص والخذلان الموجع، بين الحب الذي كان والحكمة التي ولدت من رماده.
لقد استطاع الشاعر محمد ثابت أن يكتب تجربة إنسانية عميقة بلغة رصينة وصور بليغة، وأن يجعل القارئ شريكًا في رحلة الوجع والقطيعة، حتى نصل معه إلى ضفاف الثبات والقدرة على الاستمرار رغم النزيف
—–
لُمّى شراعكِ/ قصيدة لشاعر الأمة محمد ثابت
———-
لُمّى شراعكِ من سفيني
ولْترْحلي لا تخدعيني
لا تُؤلمي قلبي الذى
بدمائهِ تجرى شجوني
فعلى جبيني ألفُ لحنٍ
من هُمومي من أنيني
قد ماتتِ الأشواقُ عندي
ماتَ فى صَدري حَنيني
….
وحدى هنا والكاسُ يحكي
عن ليالينا الحبيبةْ
أبكي وتبقى فى عيوني
كُلُّ أحلامي السَّليبةْ
وتهيمُ رُوحي في خريفُ
الحبِّ ساعاتٍ عصيبةْ
فإذا بقلبي من لهيبِ
الوجدِ يشكو لي نَحيبهْ
….
وحْدى هنا والليلُ
والذّكرى وقلبي كالذَّبيحْ
والعمرُ يمْضي فجأةً
والدَّمعُ بالجفنِ القريحْ
سهمٌ أضرَّ بمهجتي
وأضرّ بالقلبِ الصَّحيحْ
ولّى الشّبابُ ولم يعدْ
بي غيرُ آهاتِ الجريحْ
….
لُمّي شِباككِ وارحلي
ما عادَ وقتٌ للعتابْ
وتبدَّلي وتلوّني
في كُلِّ أشكالِ الثّيابْ
وترنَّمي لحنَ الصِّبا
فالعمرُ يمْضي والشَّبابْ
ونظلُّ بالذِّكرى حيارى
نحْتسي كأسَ السَّرابْ
….
لُمّي ولُمّي ما تبقى
من عهودٍ مُشٰرِقاتْ
ولْتتركيني في سكوني
أصطلي ذُلَّ الشّتاتْ
لا ترجعي ولَّتْ عهودُ
الحبِّ والأخلاصُ ماتْ
هيَّا اتركي وادي الهوى
إنِّي أقمتُ على الثَّباتْ

……..
لشاعر الأمة محمد ثابت
مؤسس شعبة شعر الفصحة باتحات كتاب مصر
مؤسس نوادي الأدب بإقليم شمال الصعيد الثقافي

