مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية مال البخيل يأكله المرتاح الجزء الاول
يحكى في قديم الزّمان عن رجل رقيق الحال ، يتعب ويكدح طول النّهار ،وفي اخر اليوم يعود لامرأته خديجة بخبزة شعير،و حفنة من الزيتون وبصلة , ويقسمهم معها بالنّصف، وهذا هو غدائهم وذلك عشاهم ومؤونتهم من يوم الذي قادهم النصيب لبعضهم , وكانت المرأة إبنة عائلة معروفة ، ووحيدة أبويها، والبيت الذي تسكن فيه ملكها ،ورثته عنهما بعد وفاتهما .
وكانت حكيمة وعقلها يزن بلدا كما يقال . ورغم ضعف حال زوجها بقيت صابرة ومتحمّلة معه الفقر والجوع , ودائما تقوّي عزيمتها بالصلاة والشكر ، وتقول : هذا ماراد الله ،وما أعطى، الحمد لله على كل حال، والصبر مفتاح الفرج , والله أحسن الرازقين وخيره لا ينتهي من الوجود”..
مرّت الأيّام ،وكان هذا حالهم كلّ يوم ،وبعدما يأكلوا خبزهم وزيتونهم يتّكأ ذلك الرّجل على الحائط ،ويتنهّد ،ويقول :يا ليت الله يرزقنا وأملأها !!! كانت خديجة تنظر له بدهشة ،ولا تفهم ماذا يقصد ،فما الذي يريد زوجها ملأه ؟فهو معدم لا يملك شيئا ،وفي أحد الليالي بعدما سمعت تلك العبارة التي يردّدها الرّجل كل يوم، قالت في نفسها :ويحك يا امرأة !!! زوجك جائع ،و يكدح طول اليوم ،وهذا الطعام القليل لا يكفيه ،وقرّرت أن تقتسم معه نصيبها فهو أولى بيه منها ،ودون أن يخجل الرّجل من نفسه كان يأخذ منها الطعام، ويأكله .
لكن المرأة المسكينة تجهل أنّ زوجها اللئيم لا يحرم نفسه من شيئ ،وهو ينزل كل يوم إلى السّوق، ويذهب لدكاكين الطباخين ويأكل ما يشتهيه: مرّة لحما مشويا أو كوارع حتى يشبع ،ثم يمسح شفتيه، ويعود لزوجته بطعام حقير ،والمرأة المسكينة محرومة : لا قفّة خضار ولا قرطاس لحم ،وكانت جاراتها يلاحظن أنّ يدي الزّوج دائما فارغة ،لكن كلّما حملوا لها طعاما ردّته لكي لا يعتقدن أنّ زوجها يجوّعها ،وكانت تدّعي أنّه يحضر القفّة من السّوق في الصّباح الباكر ،لكنّهن لا يصدّقنها، فلم تشمّ واحدة منهن رائحة الطعام في دارها ،ولم يرين لباسا جديدا عليها ،وكان ذلك يصيبهنّ بالحزن عليها ،فهي صغيرة ، ولا تستحقّ ذلك .
دار الزمن ،ومرض زوجها ،ولم ينفع الدواء الذي وصفه الأطبّاء ،ومات ،فبكت عليه خديجة ،وقالت :كنت آكل ربع خبزة، والآن لن أجدها !!! وبقيت تنفق من تلك الدّراهم القليلة التي تركها زوجها حتى نفذت كلها ،بقيت المرأة حائرة ،ولا تعرف ماذا ستفعل فليس لها أقارب لمساعدتها . .كان في الزّقاق الذي تسكن فيه بنّاء اسمه عبد الله ،يشتغل مرّة ،ومرّات يبقى عاطلا ،وكان ينام في الشّارع أو عند أحد من أهل الزقاق، فسمع بتلك الأرملة ،فقال في نفسه : سأطلبها للزّواج ،وهكذا أجد دارا أبيت فيها ،وأنفق على تلك المرأة من مالي القليل ،وأؤنس وحدتها ،فذهب إلى إمام الجامع ، وطلب منه أن يخطبها له ،فسألته عنه، فمدحه في أخلاقه ،لكن أخبرها أنه فقير الحال .
أمضت المرأة الليل ،وهي تفكّر ،وقالت :كيف أتزوّج من شخص ليس له عمل قارّ ،إذا اشتغل أكل ،وإذا بقي عاطلا جاع ،وقد تمضي عليه أيّام لا يربح مليما واحدا ،وتكون حياتي معه أسوأ من الأوّل !!! ثم يرجع لها شاهد العقل، وتقول :الحيّ أبقى من الميّت،و الفقر ليس عيبا، والمهم أنّه رجل يدخل داري ،فلا يطمع النّاس فيّ ،ومادام يشتغل حتى قليلا ،فبامكانه أن ينفق علي بيته ،والقليل يكفي . وفي النّهاية أعجبتها الفكرة ،وأرسلت إلى الإمام تعلمه أنّها موافقة ،وأعطى الرّجل لعبد الله جبّة ،وبلغة ليصلح من حاله ليلة زواجه، وكلّ واحد من الزّقاق كان يساعده بشيء، فذهب إلى الحمّام مجانا ،وحلق له الحلاق شعره ولحيته وعطرّه .
أمّا المرأة ففتحت صندوق ملابسها ،وأخذت ثوبا كان لأمهّا ،ثمّ استحمّت ،وجاء الجيران فزيّنوها ،وجلست تنتظر زوجها وهي خائفة أن تسخر منها نساء الحيّ ، ،فلقد سمعت أنّه رجل خشن ،لكنّه لمّا دخل رأت فتى حليق الوجه جميل الملامح ،فسلمّ عليها وأعطاها هديّة ملفوفة ،فقالت في نفسها : لقد كدت أن أرفضه لفقره الشّديد ،والحمد لله أني لم أفكر بمنطق الدّنيا ،ولاحظت أنّ الفتى يسترق النظر إليها، فلم يكن يتصوّر أنّها جميلة بهذا الشكل ، فكلّ ما كان يفكّر فيه أن ينام على فراش نظيف ، فشكر الله على نعمته ،وتمنّى لهم الجيران وأهل الزقاق عرسا سعيدا فانصرفوا ..
من قصص حكايا العآلم الآخر