مكتبة الأدب العربي و العالمي
الحسناء_وغصن_الرمان_المسحور الجزء الخامس والاخير
《وبعد السفر لمدة ثلاثة أشهر سمع صوتاً يثير الرهبة والرعب》
ويستعصي على الوصف . هنا كانت حديقة العفريت « ره » الواسعة ، وكانت الضجة صادرة عن تعويذة .
أخفى الفتى نفسه خلف صخرة ، ورأى الآن صورة إنسان اتضح فيما بعد أنها عجوز في التسعين من العمر . كان شعرها أشبه ببياض الثلج ، ورموشها حمراء وحاجباها أشبه بسهمين ، وكانت عيناها تومضان ناراً ، وأظافرها تمتد ياردتين طولاً ، وكانت تستنشق الهواء وهي متكئة على عصاها ، تعطس مع كل خطوة صاكة ركبتيها أحدهما بالأخرى . كانت هذه هي حارسة الحديقة الواسعة .
جاءت إلى الفتى وودت أن تعرف ما الذي كان يفعله هناك . بلغها الأمير تحيات ابنها ، قالت ازة صافرة وهي تتحدث : « الابن الذي لا يحسن شيئاً ! أنت ، إذن ، قد التقيت به ؟ هل يظن ابني البائس أنني سأرأف بك فأرسلك إلي ؟ لسوف أريك في الحال نهاية مصيرك »
لم يدر الأمير ما حدث ، ما استطاع أن يراه هو أنه كان على ظهر شيء ما لم يكن له عينان ولا أذنان ، وكان متغضناً أشبه بضفدع ، كان ذلك المخلوق ينسل هارباً من المكان قافزاً قفزات طويلة مريعة ناطاً فوق البحار بوثبة واحدة .
وفجأة ، هدأ هذا الشيء الغريب واستقر قائلا: «أيا كان ما تسمعه، وما تراه، فلا.«تتفوه بكلمة واحدة، وإلا فقدت حياتك.
وفي ثانية واحدة اختفى وكما في الحلم، أبصر الأمير الآن حديقة مترامية الأطراف بها جداول تترقرق وشلالات تتدفق، وأشجار وأزهار وثمار لايمكن أن يرى المرء مثلها في أي مكان من العالم.
كانت العصافير تزقزق والبلابل تصدح في كل ركن، وكان الجو كله أغنية واحدة. ألقى الفتي نظرة فيما حوله ثم دخل إلى الحديقة وسمع صوتا فاجعا يفطر القلب أشبه بالنحيب. تذكر غصن الرمان فبدأ يبحث عنه.
وفي وسط الحديقة كان ثمة مشتل صغير، وفيه تتدلى مثل مصايبح عدة:من ثمار الرمان. قطف غصنا، وعلى الفور سمع صرخة رهيبة.«مخلوق بشري يقضي على حياتنا مخلوق بشري يقتلنا»
فر الأمير ، وقد أسره الخوف،
من الحديقة وصاح خلفه ذلك الشيء الذي لا اسم له وينتظر في البوابة.«!بسرعة! »
قفز الفتى إلى ظهره وبوثبة واحدة صار على الجانب الآخر من البحر.
والآن، وللمرة الأولى أخذ الفتى ينظر إلى غصن الرمان
وجد أن فيه خمسين رمانة تغنى كل واحدة منها أغنية مختلفة كما لو أن كل موسيقى العالم قد جمعت فيها .
قابل هنا المرأة العجوز ذات التسعين عاماً . قالت له : « احرص حرصاً شديداً على غصن الرمان . لا تدعه يغيب عن عينيك . إن استطعت أن تصغي إليه طوال يوم عرسك فإن الرمانات ستحبك ، لا تخش شيئاً لأنها ستحميك في أي كرب » .
استأذنها الأمير بالمغادرة وذهب إلى ابنها الذي حثه على مراعاة نصيحة العجوز بكل حرص . بعدئذ راح الفتى يطوي طريقه ما وسعه صوب الفتاة الحسناء .
انتظرته الفتاة بشوق بالغ ، لأنها أحبت الأمير بكل شغف لدرجة أن أيامها امتلأت بالمخاوف عليه خشية أن يصيبه أي .مكروه وفجأة تعالى صوت الموسيقى ، وسمعت الألحان المختلفة من خمسين رمانة .
هرعت الفتاة لتستقبل الأمير ، فأنشد غصن الرمان أنشودة قلبين اتحدا برباط وثيق حتى بدا وكأنهما رفعا عن هذه الأرض إلى جنة الله .
دام عرسهما أربعين يوماً وأربعين ليلة ، واستمعا طوال الوقت لغناء الرمان . ولما انتهت احتفالات العرس قال الأمير : « مثلك ، أنا لي أب وأم . وقد احتفلنا بزفافنا هنا ، وسنذهب الآن إلى أبوي ونحتفل به هناك أيضاً » .
وهكذا انطلقا في رحلتهما في اليوم التالي . عندما وصلا في نهاية رحلتهما إلى الوطن ، ذهب الفتى إلى السلطان وأخبره أنه نجح في إحضار الأميرة الحسناء معه .
امتدحه السلطان لشجاعته ومهارته ، وأعطاه هدية ثمينة ، وأمر بالبدء بالاستعدادات لحفل زواج الأميرة إلى ولي العهد المزيف . ولما رأت الفتاة أن المراد لها أن تتزوج إلى الأمير المزيف ، ضربته بوجهه ، فجرى إلى السلطان شاكياً ، شك السلطان أن في الأمر سرا خفياً هو أعمق مما يظهر على السطح ، فذهب إلى الفتاة ورجاها أن تشرح له سبب مسلكها .
ناشدت الأميرة السلطان ألا يسمح بالزواج أن يتم حتى يعدم ابن الفلاح . فأمر السلطان أن يؤتى بالفتى إليه فجيء به وقطع رأسه أمامه . وفي الحال ، أخذت الأميرة ماء الفردوس ورشته على جسده فنهض حياً من جديد .
قالت الأميرة : « والآن ، لقد مت ، وبعثت حيا مرة ثانية . وبذلك تخلصت من عهدك الذي قطعته » .
وهكذا ، أخذ الفتى يحكي كيف أنه ، بعد أن ترك أمه ، قابل ابن الفلاح . وتحدث عن حادثة البئر ، وعن كل شيء و بالمخاطر التي تعرض لها أثناء بحثه عن الأميرة .
كما أنه كشف عن هويته بإخراج التميمة التي استلمها من أمه .
ولما اقتنع السلطان أن ابنه الحقيقي هو هذا الفتى ، هب يعانقه ويقبله مراراً .
أعدم ذلك المغرور ، وأحضرت أم الأمير إلى القصر لحضور زفاف ابنها إلى الأميرة الحسناء .
من قصص حكايا العالم الاخر