فلسطين تراث وحضاره
عمواس التي لا تنسى
هذه القرية بالذات لا تنسى ، وإن نسيت فحبنا للوزها الأخضر في الربيع يذكرنا بها ، وشهوتنا لتينها اللذيذ في الصيف يقربها لنا ، فضلا عن الخروب ، لصنع الخبيصة ، والرمان وباقي أطايب الرحمن كلها تلغي المسافات وتجعل زيارتنا لها متعة لها مذاق خاص .
ولكن الأهم من هذا وذاك هو تاريخها الحافل بالأحداث والملمات ، وبأبطال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر في غياهب المنفى ليخلدوا في ذاكرتنا وفي ذاكرة المكان .
ضمن ” جولات مقدسية ” ذهبنا لعمواس للاستذكار وتجديد عهدنا ووفائنا لتاريخ أبي عصي على النسيان ,فماذا نعرف عنها ؟
تقع عمواس في منتصف الطريق ما بين القدس ويافا وعند منطقة التقاء جبال القدس الغربية بالساحل الداخلي . فكان لموقعها الجغرافي الأثر الأهم في جعلها محطة استراحة للمسافرين والحجاج القادمين من وإلى يافا والقدس ,وهي أيضا محط انظار الغزاة والمحتلين منذ القدم حتى يومنا الحالي ، اقصد حرب عام ١٩٤٨.
في الأصل يرجع اسم قرية عمواس لينابيعها الحارة المتدفقة فكلمة عمواس تعني باللغة اللاتينية الحمام الدافئ . في الفترة الرومانية دعاها الرومان المنتصرون ، في حربهم ضد اليونانيين ، بنيكابوليس ، اي مدينة النصر . وهي أيضا مدينة الموتى بسبب تحول قسم كبير منها لمقابر لليهود بعد تدمير الرومان للهيكل في عام ٧٠ للميلاد .
ارتبطت عمواس في التراث المسيحي بمعجزة قيامة المسيح بعد ثلاثة ايام من صلبه وظهوره لثلاثة من تلاميذه كانوا على مائدة الطعام في عمواس وعندما ذهل تلاميذه من ظهوره بعد موته قام بتكسير الخبز .
في القرية كنيسة تعرف بكنيسة تكسير الخبز بنيت لتخليد هذا الحدث .
في عهد الخليفة ابو بكر الصديق فتحت عمواس على يد عمرو بن العاص ثم اصبحت مقرا لجند المسلمين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب أصاب عمواس وباء أودى بحياة أكثر من عشرين ألف مسلم ، دفن معظمهم في عمواس . من بين ضحايا الوباء كان الصحابيان ابو عبيده عامر بن الجراح ومعاذ بن جبل ، احد أبرز علماء الحديث في ذلك الزمن .
في حرب عام ١٩٤٨ كانت عمواس مسرحا لأشرس واشد المعارك ضراوة ما بين الجيش الأردني بقيادة حابس المجالي وما بين العصابات الصهيونية ، إلا ان عمواس لم تحتل في الحرب وبقيت تحت سيطرة اردنية حتى النكسة .
في عام ١٩٦٧ بلغ عدد سكان عمواس نحو ٤٠٠٠ نسمة معظمهم ينتمون لعائلات ابو غوش ، ابو قطيش ، الشيخ ، خليل ، حمدة ، عبد النبي وحسان . اليوم يبلغ عدد سكان عمواس في نحو ٢٥٠٠٠ نسمة منهم ٢٣٠٠٠ يعيشون في الاردن ونحو الفي نسمة يسكنون في بيتونيا ، قضاء رام الله .
دخلنا عمواس من حديقتها الأثرية . على الواجهة لافتة كبيرة كتب عليها باللغة العبرية اسم الموقع : حديقة كندا פרק קנדא نسبة الى الدولة التي قدمت الدعم المالي للصندوق القومي اليهودي لتغيير معالم القرية العربية وإعطائها معالم جديدة وكانها غابة حرشية خربة !
فماذا تبقى من القرية التي جرفت بيوتها ومبانيها وحتى مزروعاتها ؟
تختلط الٱثار في عمواس ما بين رومانية ، بيزنطية وإسلامية مبكرة وحديثة ففيها بقايا بيوت و ٱبار من الفترة الرومانية ، مدافن حفرت بالصخر تعود للفترات اليونانية والرومانية ، بقايا كنيسة تكسير الخبز من الفترة البيزنطية تم ترميمها في الفترة الصليبية ، ضريح الصحابي الجليل ابو عبيده عامر بن الجراح ومقام معاذ بن جبل .
إضافة لذلك فهناك بقايا بيوت لسكان اهل عمواس وفي الجهة المحاذية للشارع الرئيسي يمكننا مشاهدة أنقاض مقبرة القرية .
انتهت جولتنا في عمواس والتي استغرقت نحو ساعة او يزيد ، ولكن صداها في نفسي بقي يتردد مثل أغنية جميلة ما ان تنتهي حتى تفتح لنا طاقة للخيال والتفكر ..
ويملأ سمعي وكل حواسي أغنية المطربة الكبيرة نجاة الصغيرة :
وبعتنا مع الطير المسافر
جواب وعتاب وتراب من أرض أجدادي
وزهرة مالوادي ، يمكن يفتكر الي هاجر
ان لو في بلادو احباب
لو في بلادو احباب
المصدر : إسنات إبراهيم