مقالات

ما بين الفنادق والأسواق

محمد قاروط ابو رحمه

الساعة الآن الثالثة والنصف فجرا. اشرب القهوة على شرفة الطابق الخامس من فندق البيوتي إن في رام الله.

الشرفة مطلة على جهتي الجنوب والغرب، وجهة شمال غرب رام الله التحتا.
تتميز شرفة الغرفة ٥٠١ بانها تطل ايضا على جهة الشرق باتجاه دوار التربية. من جهة الجنوب الغربي اشاهد فندق الكرمل، ومن جهة الجنوب اشاهد المنطقة من الفندق حتى بيتونيا، وأشاهد حركة المركبات تنساب بهدوء على الطريق الواصل ما بين دوار الساعة من وسط رام الله مرورا بمنتزه بلدية رام الله عبر عين منجد حتى بيتونيا.

اليوم هو ١٤ ذو القعدة من عام ١٩٤٤ هجري، والقمر مكتمل النضوج، بدرا تاما. ينزلق بهدوء ككرة كبيرة نحو البحر لينام، ويأخذ قسطا من الراحة من حرارة يوم الجمعه التي أثقلت على الشجر والناس.

على الجهة الشرقية من الفندق كنيسة قد يكون عمرها الف عام وامام الفندق من جهة الجنوب قصر تم ترميمه حديثا أحسب أن عمره اكثر من ثلاثة مائة عام..

رام الله بهية ناضجة قبل أن يعرف كل الغرب الوحشي كيف يصنع طعامه.

كنا هنا نعيش في بيوت عامرة بالمحبة، محبة الإنسان والكون والحياة، وكان الوحش الغربي الهمجي يعيش في جحور الجبال حاقدا على البشرية وعلى الحياة وعلى الخالق حتى أنكر وجوده.

بعضنا المنبهر بالغرب اخذ منه تركيز رأس المال في يد ١% من مجموع الشعب تاركا ٩٩% من الشعب يتوزعون ما بين الطبقة المتوسطة والفقيرة وحتى المعدومة المعوزة.

أخذنا من الغرب الأسواق الكبيرة وسميناها مولات وسوبر ماركت.
زيناها بالاضواء الكهربائية المبهرة والتكنولوجيا وحشرنا فيها من كل ما يحتاجه المواطن، وسمينا الشاري الذي يشتري حاجاته، مستلك.

لم ننتبه أن كل سوق تجاري وكثيرا من المحلات التي تسمى سوبر ماركت قد ساهمت بإغلاق بقالة كانت تشكل مصدر رزق لعائلة، أو محل بيع للاحذية، أو محل بيع للملابس

الذي أعطوا رخصا لمثل هذه الأسواق تيمننا بالغرب الوحشي المادي ساهموا بإغلاق عشرات او مئات البقالات ومحلات بيع التجزئة.

ساهموا باسم التقدم بافقار الناس.
والأمر ينطبق على الفنادق ايضا فكل فندق كبير ساهم بإقفال فنادقنا الصغيرة التي تنتشر منذ مئات السنين في رام الله.
بقالاتنا الصغيرة ومحلات بيع التجزئة مليئة بالحب والاحترام والتسامح.
اصحاب هذه المحلات يعرفون أبناء حيهم، يعرفون المقتدر بالمال ويعرفون الاقل اقتدار.
يعرفون كيف يسامحمون ويخفضون الأسعار للعائلات الاقل اقتدار.
يبتسمون وينادوك باسمك، ويقولون لك سلم على ابوك او امك.

اصحاب محلات التجزئة الصغيرة كانوا يراقبون سلوك اطفالنا في الحارات ويحرصون عليهم كما يحرصون على أطفالهم.
اصحاب محلات التجزئة كانوا يوزعون المحبة والأخبار بين أهالي الحي.

الأمر ينطبق على الفنادق،.

لقد نزلت في فنادق كثيرة حول العالم، ونزلت في فنادق تسمى فخمة في فلسطين كنت أشعر فيها بالغربة.

ونزلت في فنادق أخرى تشبهنا، لا تشعر انك غريب فيها، تتصرف وكأنك في بيتك، وكل العاملين فيها وأولهم صاحب الفندق حريص على أن تكون مرتاحا في إقامتك.

فندق الياسمين في نابلس انت تشبهني، أما فندق البيوتي إن رام الله وصاحبه والعاملين فيه أنتم قطعة من أصالة هذا الشعب العربي الفلسطيني وانتم ونحن شبه بعضنا، نحن بعضنا من بعضنا.
كل فنادق فلسطين التي تشبه فندق الياسمين في نابلس او فندق البيوتي إن في رام الله هي فنادقنا، والفنادق التي تسمى فخمه هي شكل آخر من أشكال استعمار الغرب لثقافتنا ونمط حياتنا.
تذكر وانت تشتري من بقالة انك تساهم في صمود عائلة.
تذكر وانت تنزل في فندق متوسط او صغير كيف تساهم في صمود الناس والاقتصاد.
تذكر أن الاسواق والفنادق الفخمة تركز رأس المال وتحرم الاف العائلات من مصدر رزق مستقل.
واخيرا:
ترك المزارع الصغير مزرعته ليعمل مزارعا عند شركات الزراعة.
وترك صاحب الحرفة حرفته ليعمل عند الاحتلال.

لا تتركوا اصحاب البقالات ومحلات التجزئة الصغير وأصحاب الفنادق الصغيرة يتحولون إلى عمال في المستوطنات.

 

 

المصدر : نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق