كانت المرأةٌ الفقيرة تجلس على ناصية الشارع وقد فردت خرقتها تستعطف المارّة حاجتَها .. كان طفلُها ذو العامين يبكي بكاء مرّا في حضنها ويتململ .. كانت تبتهل الى الله تارة وتارة تنوح بصوتها الكئيب وهي تطالع الوجوه بعينين ذابلتين حزينتين وتحاول هدهدة طفلها علّه يهدأ ويسكت ، لكنه لا يهدأ ولا يكف عن البكاء ، والناس يمرّون بها ويتخطّونها ، ولا من يلتفت لها أو لطفلها ..
مرّ بها شاب فوقف فوق رأسها … وراح يتأمّلها وطفلَها التّعيس ..
كان الشّاب يرتدي ثيابا رثّة مهلهلة ، وشعره المنكوش بادياً من تحت قبعته الغريبة …
كان يحمل تحت إبطه لفافات من الورق ، وبجيب قميصه مجموعة من الأقلام … فكّر مليّا ، ثم سحب ورقة من تحت إبطه وراح بأقلامه يخط عليها برشاقة وخفة .. لم يطل به الأمر حتى انتهى من ورقته وناولها الى الطفل الذي التفت اليها لوهلة ثم سكت على الفور ..
لقد رسم له عصفوراً ملوّنا … يكاد لدقّته واتقانه أن يزقزق ..
