مقالات

أ. د. لطفي منصور آذارُ والْبَرْدُ الشَّديدُ وَعُيونُ النَّرْجِسِ:

آذارُ في السِّرْيانِيَّةِ والْعِبْرِيَّةِ والعرَبِيَّةِ هُوَ الشَّهْرُ الثّالِثُ في السَّنَةِ المسيحيَّةِ، وفي اليونانيَّةِ يُسَمَّى مارس، وَهُوَ إلَهُ الْحَرْبِ عِنْدَهُمْ. وَهُوَ اسْمُ مَلَكٍ أوْ إلَهٍ عِنْدَ السّامِيِّين، مَثَلُهُ مَثَلُ شُباطَ. وَهُوَ شَهْرٌ مُخَضْرَمٌ بَيْنَ الشِّتاءِ وَالرَّبيعِ، فَفي الحادِي وَالْعِشْرينَ منَهُ يَنْتَهي فَصْلُ الشِّتاءِ وَيَبْدَأُ فَصْلُ الرَّبيعِ ، وفي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَتَساوَى اللّيْلُ والنَّهارُ.
في القَصَصِ الشَّعْبِيِّ ذِكْرٌ لِشَهْرَيْ شُباط وَآذار، بِما يَتَعَلَّقُ بِأَيّامِ الْعَجوزِ الَّتِي ذَكَرَها الْمَسْعُوديُّ في كِتابِهِ “مُروجُ الذَّهَبِ وَمَعادِنُ الْجَوْهَرِ”، وَهِيَ سَبْعَةْ أَيّامٍ ماطِرَةٍ عاصِفَةٍ بارِدَةٍ. وَيُعْتَبَرُ آذارُ مِنْ فُحولِ الشِّتاءِ، وفي الْمَثَلِ الشَّعْبِيِّ: “آذارُ أَبو الزَّلازِلِِ وَالْأَمْطارْ” يَسْقُطُ فِيهِ الْبَرَدُ، وَأَحْيانًا الثَّلْجُ.
في أَواسِطِ آذارِ تَصْحُو الْأشْجارُ غَيْرُ الْمورِقَةِ مِنْ سُباتِها، وَتَتَفَتَّحُ الْبَراعِمُ وتُورِقُ الْشجارُ بَعْدَ أنْ يَسْرِي الدِّفْءُ في نَسّغِها. وَتَبْدَأُ الْأَزْهارُ بِالتَّفَتُّحِ.
وَمِنْ أَجْمَلِ الْأَزْهارِ قاطٍبَةً زَهْرَةُ النَّرْجِسِ فَقَدْ جَمَعَتْ بَيْنَ الْجَمالِ وَالْعِطْرِ الذي لا يُدانِيهِ عِطْرٌ آخَرُ، وَبِزَهْرَةِ النَّرْجِسِ تُشَبَّهُ الْعُيونُ النَّرْجِسِيَّةُ. واعْلَمُوا عَظَمَةَ الْخالِقِ الَّذي أَخْرَجَ لَنا عِطْرَ النَّرْجِسِ مِنْ ذاكَ الْبَصَلِ.
وقَعَتْ في يَدِي مُقَطَّعاتٌ شِعْرِيَّةٌ في وَصْفِ النَّرْجِسِ أُطْرٍفُكُمْ بِبَعْضٍ مِنْها.
يَقولُ أبو نُواسٍ: الوافر
– تَأَمَّلْ في نَباتِ الْأَرْضِ وَانْظُرْ
إلى آثارِ ما صَنَعَ الْمَلِيكُ
(الْمَليكُ: الْخالِقُ سُبْحانَهُ)
– عُيُونٌ مِنْ لُجَيْنٍ ناظِراتٍ
عَلَى أجْفانِها ذَهَبٌ سَبيكُ
(ذَهَبٌ سَبيكُ: يَقْصِدُ الْكَأْسَ الصَّفْراءَ الَّتي تَتَوَسَّطُ زَهْرَةَ النَّرْجِسِ ؛ الأجْفانُ: التُّوَيْجُ وهي الْوُرَيْقاتُ الْبَيْضاءُ الْمُحِيطَةُ بِالْكَأْسِ الصَّفْراءِ؛ اللُّجَيْنُ: الْفِضَّةُ)
– عَلَى قَصَبِ الزَّبَرْجَدِ شاهِداتٌ
بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ شّرِيكُ
(عَفا اللَّهُ عَنْ أبي نُواسٍ ، كَمْ زادَ الشُّعَراءُ الْأرْذَلُونَ عَلَيْهِ. الزَّبَرْجَدُ مِنَ الْأحْجارِ الكريمةِ ذاتِ اللَّوْنِ الْأَخْضَرِ. يَعْنِي بِها ساقَ النَّرٍجِسِ الْخَضْراءَ)
وَقالَ الْمُعَذَّلُ بْنُ غَيْلانَ (شاعِرٌ وَأَدِيبٌ)
مِنَ البسيط
-أمّا تَرَى الشَّمْسَ لانَتْ عَرِيكَتُها
وَقَدْ تَوَرَّقَتِ الْأَشْجارُ وَالْقُضُبُ
(الْعَريكَةُ: الطَّبيعَةُ. فُلانٌ لانَتْ عَريكَتُهُ: أَصْبَحَ سَلِسًا، وَهِيَ مِنْ عَرَكَ الشَّيْءَ أيْ دَلَكَه. أمّا لِلشَّمسِ فيهنيِ انخِفاضُ حَرارَتِتِها بَعْدَ الْعَصْرِ في الُبَرَدِ الثّانِي؛ الْقُضُبُ: جَمْعُ قَضيبٍ وهوَ الْغُصْنُ؛ تَوَرَّقَتِ الْأَشجارُ أورَقَتْ في الرَّبيعِ)
– وَالنَّرْجِسُ الْغَضُّ قَدْ حانَتْ مَعاطِفُهُ
كّأَنَّهُنَّ عُيونٌ ما لَها هُدُبُ
(يَصٍفُ نَرْجٍسًا قَدْ ضَرَبَهُ الْمَطّرُ الشَّدٍيدِ، فمالَتْ سيقانُهُ، وَسَقَطَ بَعْضُ وَرَقِهِ)
– كَأَنَّها فِضَّةٌ تَعْلُو زُمُرُّدَةً
خَضْراءَ يَضْحَكُ فيها ناظِرٌ ذَهَبُ
( الزُّمُرُّدَةُ: حَجَرٌ كَريمٌ أَخْضَرُ اللَّون؛ ناظِرٌ ذهَبُ: شَبَّهَ الْكَأْسَ الصَّفْراءَ بِعَيْنٍ مِنْ ذَهبِ وُضِعَتْ فَوْقَ زُمُرُّدَةٍ)
وَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طاهِرٍ الْأميرُ: المُتَقارَب
– ثَلاثُ عُيونٍ مِنَ النَّرْجِسِ
عَلَى قائِمٍ أَخْضَرٍ أَمْلَسِ
(العيونُ: زَهْراتُ النَّرْجِس ؛ يعني في الشَّطْرِ الثّاني ساقَ النَّرْجِسِ الْأَخْضَرِ)
– كَياقوتَةٍ بَيْنَ دُرٍّ عَلَا
زَبَرْجَدَةً مُنْيَةَ الْأَنْفُسِ
(مُنْيَةَ الْأَنْفُسِ: كُلُّ نَفْسٍ تَتَمَنَّى أنْ تَمْلُكَها)
– يُذَكِّرُنِي رِيحُهُنَّ الْحَبِي
بَ فَيُنْغِصُنِي لَذَةَ الْمَجْلِسِ
(رائِحَةُ النَّرْجِسِ الْعَطِرَةِ تُذَكِّرُهُ أَنْفاسَ الْحَبيبِ، مِمّا يُنَغِصُّ عَليْهِ لَذَّةَ مَجْلِسِ الطَّرَبِ)
– وَأَحْسَنُ ما في الْوُجُوهِ الْعُيُو
نُ وَأَشْبَهُ شَيْءٍ بِهِ النَّرْجٍسُ
( أَجْمَلُ شَيْءٍ في الْوَجْهِ الْعَينانِ ، وَأَشْبَهُ شَيْءٍ بالْعُيونِ النَّرْجِسُ)
وَقالَ مَجْهولٌ: الْوافر
– وَأَحْداقٍ مِنَ الذَّهَبِ المُصَفَّى
تَطِيفُ بِها جُفونٌ مِنْ لُجَيْنِ
(الأَحْداقُ: فَتَحاتُ الْعُيونِ ، ويعني بها زَهْرَ النَّرْجِسَ)
– لَها نَشْرٌ يَفُوقُ الْمِسْكَ طِيبًا
وَحُسْنًا عِنْدَ نَظْرَةِ كُلِّ عَيْنِ
(النَّشْرُ: الرّائِحَةُ؛ طِيبًا: تَمْييزٌ مَنصوبٌ)
– كَأَنَّ الطَّلَّ فيها دَمْعُ عَيْنٍ
تَرَقْرَقُ مْذْ زَها مِنْ خَوْفِ بَيْنِ
(الطَّلُّ: النَّدَى، تَرَقْرَقُ: أيْ يَتَرَقْرَقُ، يَلْمَعُ، محذوفُ إحْدَى التّائَيْنِ؛ زَها: أضاءَ؛ الْبَيْنُ: الْفِراقُ)
———-
مصدرُ مُساعِدٌ:
حَدائِقُ الْأَنْوار وَبَدائِعُ الْأَزْهار
تَأليفُ:
جُنَيد بن محمود بن أحمد (توفيَ بعدَ سَنَةِ ٧٩٠ هج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق