كانَ تَعَرُّفي على المخطوطات العربيَّة في التّاريخِ واللُّغَةِ والأَدَبِِ العَرَبِيِّ قَبْلَ أكثَرَ مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ مِنَ الزَّمان. وذلك في مرحلةِ البكلوريوس، عندَما كُلِّفْتُ كتابَةَ بَحْثَيْنِ أكاديمَيْنَ:
الأَوَّل: دراسة في مخطوطَةِ مُسْنَدِ الصَّحابي عبدِ اللَّهِ بنِ عَبّاس الملَقَّب بِحَبْرِ الأُمَّةِ وَتَرْجُمان الْقُرْآن(ت٦٨هج)، وهو مِنَ المسانيد الأولى في الثقافة الإسلامِيَّةِ، والمرجعُ الأَوَّلُ في الفقهِ الإسْلامِيِّ، لا يزالُ هذا البحثُ مخطوطًا.
الثّاني: “الهجرةُ إلى الحبشَةِ والعَلاقاتُ الإسلامِيَّةُ -المسيحيَّةُ في أوائلِ الإسلام”. وقد طُبِعَ هذا البحثُ في دارِ الهدى سنةَ ١٩٩٨م. وكانَ من مصادري الرّئيسةِ مخطوطُ “جامِعُ الْآثار في مولِدِ النَّبِيِّ المُختار” لابنِ ناصرِ الدّين الدين الدِّمَشْقي، مخطوط المكتبةَ الظّاهريَّة في دمشقَ حَرَسَهاُ تَعَالَى .سيرة ٤٢.
إنَّ اطِّلاعي على المخطوطتينِ السَابقتينِ جعلني أشْغَفُ هذا التَّخَصُّصَ، وأَثْرَى تَجْرِبَتي في القراءَةِ وطرِقِ التَّحقيقِ والتَّنْقيبِ المضنِيَة.
كانَ أستاذي المرحوم يشعياهًو غولد فيلد -الذي نجا من براثِنِ النّازِيَّةِ – شَغوفًا باللّغَةِ العربيَّةِ، فقد أَشْرَفَ على البحثينِ السّابقَيْنِ، وكانَ يَقُولُ لي: “لَقَدْ تذوَّقْتَ أدَبَ المخطوطاتِ فَأَعِدَّ نَفسَكَ لِلْأعمالِ الكبيرَةِ وَهْوَ التَّحْقيقُ نَفْسُهُ، وَلَيْسَ القراءَةَ فقط.
لَقَدْ صَدَقَ حَدْسُ أستاذي واتَّخَذَني مُساعِدًا له في إعدادِ المادَّةِ الدراسيَّة في الشِّعْرِ القديمِ وعَروضِهِ، وعِلْمِ الجَرْحِ والتّعديل، وَفَحصِ وظائِفِ الطُّلّاب، وبَدَأتُ في مرحلَةِ الماجستير في اللُّغَةِ العربيَّةِ وآدابِها، وكانَ عليَّ أنْ أسمَعَ سَنتيْنِ كاملتيْنِ، وأقَدِمُ بحثينِ في إطارِ الحلَقَةِ الدراسيَّة( سمينار)، وبعدَ السّماعِ نَبْدَأُ بتحقيق أُطروحةِ الماجستير.
كانَ سُروري عَظِيمًا عندما عَرَضَ عَلَيَّ أستاذي البروفسور المذكور ميكروفيلم يحتوي على كتابِ التّاريخ لعبد الرَّحْمَن بن عَمْرٍو المعروف بِأبي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ (ت٢٨١هج).
وهيَ مَخطوطةُ مكتبةِِ محمّد الفاتح في مدينَةِ اسطنبول، مخوطةٌ يتيمَةٌ لا أُخْتَ لها في الدُّنْيا، وهي أوَّلُ ما نعلمُ عن أخبارِ الدِّمشقَّيّينَ من العلماءِ والقضاةِ، ورجالِ الحديثِ والتَّفسيرِ وعلمِ الجرحِ والتَّعديل، وأخبارِ الشُّعراءِ والكتّاب. استمرَّ تحقيقُها ودراستُها وصبْطُها ثَلاثَ سنوات، وطبعت في بيروت طبعَةً بغلافْ مذَهّبٍ بمجلّدينِ ضخمينِ اشتملا على ألْفِ صفحةٍ.
واستمَرَّيت أمْخُرُ عُبابَ التَّحقيقِ لمخطوطاتٍ عِدَّة منها أطروحةُ الدكتوراة بِأربَعَةِ مجلّدات، استغرَقَ تحقيقُها ثماني سنوات، وموسوعةابن الطَّويل الطّالويُّ الدمشقي بأكثرَ من ١٦٠٠ صفحَة، وصدَرَت، عن دارِ الْهُدَى ودار الفكرُ بعدَ عملٍ مُضْنٍ وجهدٍ جَهيدٍ، إِلَّا أَنَّهُ ممتِعٌ، دامَ ٧٠ شهرًا وداك سنة ٢٠١٧م،غيرُهما كثير. وللَّهِ الحمدُ.
فلا نامت أَعينُ الكُسالَى.