منوعات

زلزال تركيا وسوريا: قصة الشقق الفاخرة التي تحولت إلى غبار

أنقاض شقق مجمع عائشة محمد بولات في غازي عنتاب

أثيرت مخاوف تتعلق بسلامة مجمع سكني في مدينة غازي عنتاب التركية قبل وقت طويل من الزلزال الذي وقع مؤخراً وفقد أكثر من 136 شخصًا كانوا يعيشون هناك حياتهم. أمضى فريق من بي بي سي ثلاثة أيام يبحث في ما حدث والتحذيرات المبكرة التي أطلقها السكان.

تحلق عدد كبير من أفراد أسرة واحدة حول نار أوقودها بجانب الطريق من أجل التدفئة والإنارة في ليلة شتاء باردة في انتظار معجزة لن يأتي.

منذ تسعة أيام وليال هم على هذه الحال ينتظرون العثور على أقاربهم.

هذا الحزن واليأس اللذين يشعران بهما هؤلاء الناس يظهر جليا أمام أنقاض أحد أفخم الشوارع التي كان الناس يتهافتون على شراء العقارات فيه.

هذه واحدة من أفخم المناطق السكنية في غازي عنتاب” يقول الموسيقي يونس إمره، الذي فقد ابن عمه وعائلته المكونة من أربعة أفراد. “الأغنى كانوا يعيشون هنا. كانت هذه الشقق تباع بالملايين”. لكن الزلازل لا تهتم باسعار العقارات عندما تضرب.

يقول الشاب البالغ من العمر 28 عاما: “أنا غاضب فقط. أريد تحقيق بعض العدالة ولكني لا أعرف من يجب أن يحاكم”. بالنسبة له العديد من الأطراف مذنبون في ما لا يعتبر مجرد مأساة وطنية ولكن مع انهيار العديد من المباني ضيحة وطنية.

يوضح: “الأمر يبدأ من المقاول”. “إنه يستخدم مواد بناء قليلة الجودة. وبعد ذلك تأتي سلطة الإشراف التي تصادق عليها. أياديهم كلهم ملطخة بدماء الأشخاص الذين ماتوا هنا”.

“ليس من الصواب جعل المقاول كبش فداء. الأشخاص الذين وافقوا على هذا المبنى هم يتحملون المسؤولية مع الحكومة والدولة. ما كان ينبغي عليهم منح الموافقة على هذا المشروع على الإطلاق”.

يبلغ عمر مجمع شقق عائشة محمد بولات 24 عامًا. وانهارت أربع من بين ست كتل للمشروع بينما المباني الأخرى حولها لا تزال قائمة دون أن تتضرر.

لقد أتينا إلى هذا الموقع لأننا سمعنا أنه تم إلقاء القبض على رجل قيل إنه مقاول بناء هذه الشقق. أخبرنا المقاول لاحقًا من خلال محاميه أنه لم يرتكب أي خطأ ولا يجب أن يُحمّل أي مسؤولية.

ولكن ما الذي حدث بالضبط هنا يوم 6 فبراير/ شباط وهل كان من الممكن تفاديه؟

عدنا صباح اليوم التالي إلى المجمع لتكشف لنا خدمات الطوارئ عن رقم صادم، فقد تأكد حتى الآن مقتل 136 شخصًا هنا أثناء نومهم.

سألنا القائمين على محطة وقودة مجاورة عما إذا كان لديهم أي صور من كاميرات المراقبة عندما وقع الزلزال. حصلنا على مقاطع فيديو من أربع كاميرات منفصلة تظهر لحظات الرعب. في البداية نشاهد الاهتزاز العنيف للأضواء، بعد ثوانٍ يركض الناس للنجاة بحياتهم وأخيراً سحابة كثيفة من الغبار تغطي كل شيء في طريقها.

انهارت المباني السكنية المجاورة في غضون ثوان.

عندما غادرنا محطة الوقود مررنا بكومة من الممتلكات الشخصية أمامها، إنها دليل مؤلم للغاية على حياة أناس توقفت فجأة، وظائف مدرسية ودمى وأواني طهي وصور عائلية. تبحث أمل فيلك البالغة من العمر 65 عاماً في الكومة وهي تبكي بحرقة دون توقف وتقول لنا: “ذهب كل شيء”.

توضح أن ابن عمها كان ينام في إحدى الكتل الأربعة المدمرة، ولم يتحمل أحد مسؤولية الحفاظ على سلامة المبنى.

“بمجرد أن تبدأ في العيش في شقتك ينتهي شيء. لا يوجد تفتيش. التأمين ضد الزلازل والتأمين على الممتلكات لا ينفعان. لا تقوم البلدية بإجراء كشوفات على المباني. لا يوجد شيء أسمه رقابة”.

كانت هناك مخاوف بخصوص سلامة هذه الشقق على حد قولها وأضافت أن رئيسة جمعية السكان سلمى طلبت من جيرانها في البناء حضور اجتماع للاستماع إلى مخاوفها حول سلامة البناء.

“قبل ستة أشهر أخبرتنا سلمى عن مشاكل المبنى. قالت لنا سلمى:” سكنة المبنى الأعزاء ، قد تنهار مبانينا عند أضعف زلازل. فلنقوي الأعمدة. إذا لم يكن لديك المال اللازم لذلك، يمكن للبلدية مساعدتنا في الوصول إلى حل أرخص” وجرت عدة اجتماعات لكن لم يحدث شيء.

وجدنا رقم هاتف سلمى التي أكدت أنها عقدت اجتماعات أعربت خلالها عن مخاوفها هذه.

ولكن هل يتعين على السكان دفع المال حقاً ليكونوا آمنين في منازلهم؟ هذه مسألة تتعلق بسلامة هيكل البناء وليس إعادة طلاء الجدران.

يخبرنا أيوب محجو، رئيس جمعية المهندسين المعماريين في تركيا، أن المسؤولية النهائية عن سلامة المباني تقع على عاتق الحكومة التركية.

“لم تكن أولوية الحكومة المركزية جعل المدن آمنة بل تنفيذ بعض المشاريع التي تم التخطيط لها فقط لتحقيق أقصى قدر من الأرباح. ولهذا السبب فإن 65 في المئة من المباني الحالية في تركيا غير آمنة. كما لم يتم تنفيذ أي إجراءات فيما يتعلق بهذه الأبنية الخطرة “.

بعد أن أخبرنا اثنان من السكان أنه كانت هناك مشاكل في هذا المباني بدأنا محاولة معرفة ما إذا كان المسؤولون عن المبنى كانوا على علم بهذه المشاكل وما إذا كانوا قد فعلوا أي شيء حيالها.

عندما وصلنا إلى هنا لأول مرة الليلة الماضية قال لنا صبي رافقنا لفترة وجيرة أن والده أنقذ سبعة أشخاص من تحت الأنقاض بيديه العاريتين. بدت قصة رائعة، بالنظر إلى حجم الدمار الذي شاهدناه حاولنا معرفة المزيد عن والده وما قام به.

بهاء الدين، 37 عاما
التعليق على الصورة،  

وبالتأكيد عندما سمعنا العديد من الناس يتحدثون عن شجاعة رجل يُدعى بهاء الدين آشان حاولنا لقاءه.

قال لنا بهاء الدين: “رأيت المبنى يتأرجح وينهار. هرعت إليه، كان الجو مظلماً والسماء تمطر والثلج على الأرض. كنت أول من وصل إلى هنا”.

كان بهاء الدين يعمل حارس أمن في المجمع السكني.

أرانا بهاء الدين مقطع فيديو مروع التقطه داخل أنقاض المبنى الذي دخله وظهر فيه ينادي على أولئك المحاصرين ويرد عليه بعض الناس.

يقول: “أنقذت سبعة أشخاص بنفسي. كان الأمر أشبه بنهاية العالم. حتى الآن وأنا أتحدث إليكم ما زلت أرتجف”.

لكن ماذا عن هذه المخاوف بشأن سلامة المباني؟ هل رأى ذلك؟

“في موقف السيارات شاهدت العيوب بأم عيني. عندما لمست الأعمدة الخرسانية كانت تتفتت وتتحول إلى غبار في يدي، وكأنها لم تكن خرسانة على الإطلاق. كان الحديد يصدأ في الأعمدة وكان هطول الأمطار يؤدي إلى إتلاف الحديد وتآكله”.

عندما سألت بهاء الدين عما إذا كان قد أبلغ عن ذلك، أكد أنه كان واضحا مع الإدارة وكذلك مع سكنة الأبنية.

“كنت أقول لصديق لي مراراً لو أعطوني شقة هنا فلن آخذها لأنني كنت متيقناً أن الأعمدة غير متينة وفي حال حدوث زلزال سينهار المبنى”.

لكن المقاول المتهم محمد أكاي يقول إن المبنى كان يلبي لوائح البناء المعتمدة آنذاك. ويضيف أن خطوط الصرف الصحي والمياه التي تم إيصالها إلى المبنى بعد البناء وغيرها من الأعمال ربما تسببت بإضعاف الأعمدة الداعمة.

لكن كم هو عدد حراس الأمن والمسؤولين عن الأبنية في جميع أنحاء تركيا الذين عبروا عن مخاوف مماثلة في بلد غير مستقر يقع على نقطة إلتقاء صفائح تكتونية؟

الصورة الفورية التي ظهرت لهذا الحي في مدينة غازي عنتاب يدل إما على التسيب او اللامبالاة. كان الجميع يعلم أن هناك مشكلة ولم يتم اتخاذ أي اجراء بهذا الشأن.

لعبة طفل وسط أنقاض مبنى سكني منهار

بالنسبة للنائب المعارض عن حزب الشعوب الديمقراطي غارو بايلان الذي قابلناه أثناء زيارته لهذا الموقع، فإن هذا دليل على إهمال جنائي على نطاق واسع في الرقابة على قطاع البناء في تركيا.

وصف بايلان ما جرى بأنه “جريمة وإثم” واتهم حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان ، بالفشل في ضمان سلامة المباني الجديدة وكذلك الفشل في تدعيم المباني القديمة.

“العلماء كانوا يصرخون ويقولون هناك كارثة قادمة ولكن الحكومة لم تفعل شيئاً تقريباً. لقد حذرنا المدن وطلبنا منها تجهيز فرق الإنقاذ لكن الحكومة لم تفعل شيئاً وها نحن نعيش هذه الكارثة .. يقولون هذا قدر. هذا غير صحيح. في البلدان المتقدمة تحدث مثل هذه الكوارث ولكن يموت عدد أقل من الناس. أما هنا لدينا عشرات الآلاف من الناس تحت الأنقاض”.

ألقي القبض على محمد أكاي، الرجل الذي تقول السلطات إنه مقاول البناء لمجمع عائشة محمد بولات يوم السبت 11 فبراير/ شباط بعد خمسة أيام من الزلازل. تم توقيفه في مطار اسطنبول أثناء محاولته مغادرة البلاد.

يقول المدعي العام إنه مقاول البناء، لكنه أوضح عبر محاميه أنه كان منسق البناء، وليس المقاول. كما يرفض الاتهامات باستخدام مواد بناء رخيصة.

في غازي عنتاب، طلبنا من السلطة المحلية، بلدية شهيد كامل، الرد تهم الاهمال. قال المتحدث باسمها أحمد أيدين سيرت إنه لم يتم تقديم أي شكاوى بشأن أبنية المجمع وبالتالي لم نقم بأي عمليات تفتيش. “لقد راجعنا السجلات ولم نجد أي مخالفات في البناء”.

وأقر الرئيس أردوغان بأن الاستجابة الطارئة للكارثة كانت بطيئة في بعض الأماكن، لكنه حث شعبه على عدم الاستماع لمن يتهمهم بتسييس مأساة.

وتنفي حكومته الإهمال وتزعم أن أكثر من 98٪ من المباني المنهارة كانت قديمة على شاكلة مجمع عائشة محمد بولات وتم بناؤها قبل توليها السلطة.

لكن الكثيرين يقولون إن لكل دولة واجب أخلاقي إن لم يكن قانونياً، في حماية مواطنيها بغض النظر عن عمر الأبنية التي يسكنونها.

وعندما يتوجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع في الصيف فإنهم سيقررون من يمكنه ضمان سلامة أسرهم في منازلهم.

شارك في التغطية نعومي شيربيل بول ودوغو إيروغلو وديلاي يالتشين وجيك هورتون

المصدر : تطبيق نبض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق