“الليلة الأولى” هو عنوان الجزء الأول من الرواية الجديدة الصادرة بداية هذا العام 2023 عن مكتبة كل شيء في حيفا للأديب جميل السلحوت، وتقع في 190 صفحة من الحجم المتوسط، يحمل غلافها لوحة للفنان التشكيلي محمود أحمد شاهين، وهي من إخراج ومنتجة وتصميم شربل إلياس.
تطرح الرواية رسالة اجتماعيّة، وتصور حاجة المجتمع للتمرّد على الثقافة البائسة التي تعزّز الأفكار المتخلّفة ضد المرأة، كما تحمل دعوة لتغيير الأعراف والعادات البالية المتعلقة بالزواج، وتتناول واقع المرأة وما تتعرض له من ظلم وبؤس اجتماعي من الزوج والمجتمع، وتؤكد على أهمية محاربة الجهل والتّخلف.
عند الغوص في المقومات السردية وتنوع اتجاهاتها، وسير الأحداث وتحليلها والوقائع والتفاصيل وعمق الشخصيات، يستمتع القارئ بأسلوب الكاتب المشوّق، وأسلوب السرد المباشر الصادق، المعبّر عن الواقع الاجتماعي المعاش، وعن النفس البشرية الملاصقة لواقعها ورؤاها وأبعادها العميقة، فهذه الرواية الإنسانية تظهر تعامل مجتمعنا مع بعض القضايا الحساسة، تفضح كذب الدّجالين والمشعوذين الذي يعملون على استغلال الناس بخبث، متسترين بعباءة الدين لتحقيق غاياتهم ومصالحهم ومآربهم الشخصية الدنيوية، وانعكاس ذلك على حياة البسطاء والمجتمع بشكل عام.
يرصد الكاتب بين سطور الرّواية أنماط التفكير والسلوكيات وبعض القيم والتقاليد، من هنا نجد أنه يعمل على تذويت سطوره بحرص شديد، فيصبغها ببصمته الخاصّة، وذلك بربط النصّ بالتجربة الشخصيّة؛ لينقل المعرفة إلى القارئ، وما أمكنه من معارف متنوعة في مجالات عديدة من الحياة العامة، منها السلوكيات اليومية ووصف الحياة ورصد بعض الظّواهر الاجتماعيّة والمعلومات، فيطرح عبر شخصيّاته مشاكل اجتماعية سائدة في العصر والثقافة التي كُتبت عنها، مثل الزواج والطّلاق والجنس والدّين وغيرها من المواضيع المتشابكة، المرتبطة بالواقع المعاش؛ لتصوّر البيئة المكانيّة لشخوص الرّواية وعمق الصّراع الاجتماعيّ في نفوسهم.
كما يعرض الكاتب القضية النّسوية والذّكوريّة بوضوح، ومحاولات سلب وطمس حقوق المرأة، والتّعامل معها كأداة للمتعة والإنجاب وخدمة الرّجل والقيام بالأعمال المنزليّة والطبخ فقط، ويدعم السلحوت طروحاته بالموروثات الشّعبية المختلفة ومنها المثل الشّعبيّ، كي يبيّن الثّقافة الشّعبيّة ونظرتها السّلبية الدّونية ضدّ المرأة، لا لترسيخ هذه العادات بل للتّنفير منها، موضّحا أن الأديان قد أوصت بالمرأة خيرا، ويتطرّق لثقافة القبيلة والتّعصّب بجرأة وينتقد المقدّس الاجتماعيّ لمعالجة المسائل الشّائكة، بأسلوب المنطق والاقناع والمعالجة الشّفافة الواضحة، والّلغة السّهلة البسيطة المفهومة.
“الليلة الأولى” هي رواية اجتماعيّة إنسانية جريئة، تكشف المستور وتفضح الكثير من الظواهر الاجتماعيّة السّلبيّة التي تسود مجتمعنا وتعاني منها المرأة بشكل خاصّ، تحمل عناصر الرّواية النّاجحة والحبكة القويّة والصّياغة المحكمة، مؤلّفها الأديب المقدسيّ جميل السلحوت، يحمل فكرا مستنيرا وله حضوره الثقافي المميز، يمتلك تجربة أدبيّة ثريّة، وهو كاتب مسكون بالوطن وقضاياه، صدر له العديد من المؤلفات الأدبيّة التي نسج حروفها بفكره الجامح وكتبها بمداد قلمه النّزيه، هو روائي مخلص للكتابة، يلتزم بهموم الإنسان وقضايا الوطن، وقد حظيت كتاباته وأعماله باحترام الأوساط الثقافيّة والأدبيّة، يواصل نشر المقالات الفكرية والأدبية والنقدية وغيرها، وقد قرأت له الكثير من الروايات للصّغار وللكبار، والكثير مما كتب في المواقع والصّحف الإلكترونية المختلفة، وهو يتّصف بغزارة الإنتاج والنشر، ينطلق بما يكتب من رؤيته الواقعية، داعيّا إلى التّسامح وحريّة التّعبير، مجتهدا في وصف حالة الفوضى السّائدة في المجتمع، متطرّقا إلى مواضيع جريئة بشجاعة وثقة، مؤمنا بأهمية دور المثقف الرّيادي في محاربة الجهل والتخلّف.
نشدّ على يد الأديب جميل السلحوت مع التمنيات له بالمزيد من العطاء الفكري والأدبي، ونبارك له هذا الإصدار مع خالص الاحترام والأمنيات الأجمل بحياة مليئة الإبداع.