نشاطات

برهان_وحسناء_وادي_الياقوت الجزء الثالث

احتارت مريم أمّ قمر الزّمان فيما يجب فعله بكل ذلك المال ،و قالت في نفسها : سأشترى قطيعا كبيرا من الأبقار والأغنام وسأجعل من يرعاها، وسأصنع أنا جبني وأبيعه . لكن فكّرت أنّه رغم ذلك سيبقى معها الكثير، وهو يزيد عن حاجة القرية بل كل القرى حولها ، حتّى ولو تصدّقت، وساعدت كلّ المحتاجين. تذكّرت الخصلة و ورقة الشّجر اللتان كانتا مع الجواهر، وقالت: قد يكون السّر هناك، لا بدّ أن أرى السّاحرة نسيمة ،لقد كانت أمّي تقصدها ، ومن قبلها جدّتي إذا ضاقت بهما الحال.
في الصّباح ذهبت إليها ،كانت نسيمة عجوز لا يعرف أحد عمرها و، تعيش على النبات ،والثمار ،لقد أفقدتها السنون بصرها ،لكنها تعرف كل من يأتيها، يكفيها أن تسمع صوته . عندما دخلت مريم ،همت أن تتكلم ،لكن قالت لها الساحرة : هل جئت للسّؤال عن ابنتك ؟ أجابتها : نعم ،وسأقصّ عليك شيئا عجيبا حصل معي البارحة، وأريد أن تقولين لي ما الذي يجب عليّ القيام به ؟ لقد جاءني أحد الأقزام، بصرّة جواهر، و فيها أيضا خصلة من شعرها، و ورقة شجر ،فهل يعني ذلك شيئا ؟
سمعت نسيمة الحكاية ، ثم ابتسمت وقالت :أما الخصلة فهي تقول لك أنها بخير. وأمّا المال فخذي منه حاجتك، ثمّ أحسني للفقير وأطعمي الجائع، أمّا ورقة الشجر فهي أن تزرعي الأشجار حول الغابة ، وتلقي رزقا للحيوانات و للعصافير . لو رجعت الغابة كما كانت زمان، سينتشر الرّخاء في قراكم وينتهي الجفاف والجوع، ولن تقترب منكم الغيلان والوحوش .
إسمعي يا مريم !!! ابنتك تحبّ الخير والحياة، وتسعى لإصلاح شأن الغابة ، لكنّها لن تتمكّن من ذلك إن لم يغيّر النّاس ما في نفوسهم !!! قدر قمر الزّمان هو أن تبني عالما أفضل لكلّ من يعيش في هذه البريّة من مخلوقات .ويوما ستصبح ملكة كلّ الغابة المسحورة، وما حولها من القرى ،وسيكون لها شأن عظيم . وأنت من سيساعدها .سألتها بدهشة :هل أخبرتك الجن بكلّ هذا ذلك ؟ أجابت: لا ، فنحن المسنّون نعرف أنّ تلك الجواهر توجد في وادي الياقوت ،وهو مكان غريب يختفي في الغابة الممتدة على هذا الجبل، ويقال أنّ الحياة في ذلك الوادي بقيت كما هي لم تتغير.
الغيلان و الأقزام هم من بقايا الزّمن الأول ،والأشجار هناك أكبر حجما وكذلك الهوام ،كل ما هناك غريب .تعجّبت مريم، وقالت لها : كيف تكونين متأكّدة ،ولم يسبق أن ذهب أحد لذلك المكان ؟ ابتسمت العجوز ،وأجابت : منذ زمن بعيد حملت لنا الرّياح القويّة فراشة كبيرة وقعت قرب القرية ،لم يكن لها مثيل في جمالها وعظم خلقتها ،ومرّة رأينا ورقة توت في طول إنسان ،فاستنتجنا أن الغيلان تسكن ذلك المكان، وفي البداية كانت تضع لنا ياقوتا على صخرة قرب القرية ،ونحن نعطيها خبزا وخضار ولحما ،وعرفنا أن واديهم مليء بالياقوت والجواهر. لكن في أحد الأيام سمع تاجر من المدينة بأمر الياقوت فنصب فخّا لأحد الغيلان ،وعذّبه مع عبيده ليقول له عن مكان الوادي ،لكن الغول لم يقل شيئا فأشعلوا فيه النار وأحرقوه ،وفسدت علاقتنا معها ،وأصبحت تأخذ ما تريده بالقوة، وتفتك بمن تعترض سبيله.
لقد عشت ذلك ،الحياة كانت جميلة والجميع كان يتبادل المنافع ،لكن الجشع أنهى كل هذا، ودفع أهل القرى ثمن أخطاء سكّان المدينة. أخلاقنا ،ونظرتنا للأشياء تختلف كثيرا عنهم. ابنتك ستصلح ما أفسده الجشع ،وترجع الأمور إلى نصابها . كانت أم قمر الزمان تسمع بانتباه ،وقد أعجبتها الحكاية ،وزال عن قلبها مما كان فيه من غمّ و حزن ،وقالت :إذا كان الأمر مثلما قلت ،سأخصّص وقتي للقيام به ،وسأشترى مائة من العبيد لرعي أغنامي وبيع جبني وإصلاح حال الغابة .
لم تمض سوى أشهر قليلة حتى نمت الأشجار التي زرعوها ، وجاءت الطيور وبنت عليها أعشاشها ،وأصبحت الحيوانات تجيئ وترعى هناك ،وكفّ الغيلان عن الاقتراب من القرى . كانت الجارية تعرف أنّ أمّها ستذهب إلى السّاحرة ،وتشير عليها كيف تتصرف في صرّة الياقوت، لقد رافقتها كثيرا من المرات وأدهشتها فراستها .وفهمت نسيمة ما دبّرته قمر الزمان ،وبدأت الغابة تكبر و تتجدد .وشكر أهل القرى الثلّاثة التي حول الغابة مريم ، ودعوا لها ،وقرّروا جعل ابنتها قمر الزّمان ملكتهم .
أمّا في وادي الياقوت فلقد قرّر وجهاء الغيلان تعيين قمر الزّمان ملكة تقودهم في الحروب لما شاهدوه فيها من شجاعة ،وقدرة على الرّمي بالسّهام والحراب . ولمّا كان عليها اتّخاذ قرارات لمملكتها ،فعلت الشّيء الذي تتقنه وهو حسن التدبير. .قالت لهم: صيدوا خنزيرين برّيين ، وضعوا حولهما سياجا ،نفذوا لها ما طلبت وهم يهزون رؤوسهم لقد تعودوا على صيدها أما تربيتها فلا يعرفونه .بعد فترة ولدت الأنثى سته صغار وكبروا ،فاندهش القوم ،ووضعوا خنازير أخرى، ولما زاد عددها ،أطلقوا الصّغيرة في الغابة وأكلوا الكبيرة .
ولم تمض بضعة أشهر حتى امتلأت الغابة بالخنازير ، ومنذ أصبحوا يرّبون خنازيرهم زادت أعداد الظباء والغزلان والأرانب، وقالت لهم قمر الزمان: الآن لن تتصارعوا على الطعام في هذه الغابة، أما أنتم معشر الغيلان فطعامكم عند باب بيوتكم ،ولن يحتاج أحد لمهاجمة القرى .رأت مخلوقات الغابة الخير والنّعمة التي أصبحوا عليها فنصّبوها أيضا ملكة عليهم، وبذلك تحقّقت نبوءة السّاحرة نسيمة …
….
يتبع الحلقة الرابعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق