جرائم إرهابية، وجرائم قتل، واعتداء واغتصاب، وجرائم سرقات إلكترونية وغسيل أموال، وجرائم أمنية وجرائم تهريب، وأنواع مختلفة من جرائم العصر نشهدها كل يوم عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي يتحدث عنها العامة. جرائم العصر الغريبة الخارجة عن المبادئ والقيم والكرامة الإنسانية التي تشمئز منها النفس البشرية وتقشعر منه الأبدان، وتبث الخوف والرعب وتزعزع الأمن والاستقرار النفسي.. تجعل تحركات الناس وعلاقاتهم، ومعاملاتهم جميعها على خط الحذر والخوف، ما ضاعف من الحالات النفسية المؤثرة على وجدان الأفراد، والمسيطرة على أفكارهم، وتغليب سلوكياتهم في التعاملات والمعاملات.
جرائم العصر استنزفت الطاقات التنموية، والتطويرية، والجهود الوطنية والدولية التي تبذل من أجل حاضر الأرض ومستقبل البشرية، وغطت على أخبارها إعلاميا.. فلماذا؟ وماذا يحدث في الخفاء؟ كيف تغيرت الإنسانية على هذه الأرض؟ وأين الأخلاقيات والمبادئ والقيم وكرامة واحترام وتقدير الإنسان وما جاء في ديننا الإسلامي؟ تساؤلات كثيرة نحصرها في هذا المضمون، هل هي الحرب الناعمة المؤثرة على الأدمغة الفكرية من خلال إدخال أيديولوجيات فيروسية تؤثر على العقول؟ أم الحرب الناعمة الإلكترونية الرقمية والتقنية التي توغلت في كل بيت وعقل وفرد في العالم حتى دمرت المجسات العصبية؟ أم هي الحرب الفيروسية التي طغت على واقعنا ومجتمعاتنا؟ أم هي الحروب الصارخة القاتلة والعاصفة التي أثمرت بفسادها بعد حقبة طال زمانها حتى وقتنا الحاضر زُرعت بذورها في ألمانيا في عام 1887 تحت اسم المقويات بهدف مكافحة الجوع، وانتشرت بآثارها السلبية المدمرة في الدول الأوروبية حتى وصلت إلى دول الشرق الأوسط وأخذت بعض دول المنطقة على عاتقها مهمة التصنيع من خلال ما يصلها من تصدير من إيران وجوارها لتصل إلى المنطقة الخليجية (امبراطورية الكبتاجون – الفينيتايلين) وغيرها من الحبوب المخدرة التي تدمر جيلا من الشباب وتبعثر جهودا عديدة في كل المجالات، ومنها الجانب الصحي الذي يعد أساس ديمومة الحياة في كل المجالات.
جهود وطنية ودولية مبذولة لكنها غير مكتملة للتصدي للحرب الكابتوجونية، ومواجهة تأثيراتها على جميع الأصعدة لكون هذه الامبرطورية التي تدخل ضمن الحروب الناعمة ارتبطت في بدايتها بالقنوات الطبية والعلاجية، وبعض الحالات المرضية، ومنها الصرع وحالات الاكتئاب، وحالات النوم المرضي المفاجئ، وحالات فرط النشاط عند الاطفال التوحديين، والمصابين بالتلف البسيط في بعض خلايا الدماغ التي تحدث بعض السلوكيات غير المرغوب فيها، إضافة إلى من يتناول حبوب الكبتاجون المدمرة من عمال المهمات الليلية وغيرهم، ومن يعمل في النقل والتوريد للعبور البري، حيث يتطلب عملهم السهر وقتا طويلا للسفر ساعات أطول وهم لا يعلمون مدى خطورة التأثير المستقبلي على صحتهم وحياتهم وعملهم ومسارهم في الحياة وأرزاقهم نتيجة دخولهم في دائرة إدمان ودمار الكبتاجون.
من هنا تتجلى خطورة (امبراطورية الكبتاجون) التي تقف حدا فاصلا بين الجوانب الصحية والطبية والعلاجية وتأثيراتها الأكثر ضررا على المجتمع، ودمار مدروس ومخطط له سياسيا لتحقيق مقاصد غير مشروعه، إذ تتنوع أضرارها على الأفراد والمجتمعات لما تحدثه من دمار يجعل الجهود الوطنية والدولية تبذل الغالي والنفيس من أجل الحماية والتوعية والمعالجة منها.
(امبراطورية الكبتاجون) تستغل الصراعات السياسية القائمة بين الدول، وحاجة الدول الفقيرة، والدول التي بها نزاعات أهلية لتتوغل في المجتمعات بداية على استيحاء، حتى تشعل نيرانها من دون خجل وسط بيئة خصبة كما حدث في مرحلة الربيع العربي وحرب سوريا وغيرها من النزاعات السياسية الحديثة بين الدول، فكانت المصانع المنشأة تحت المظلة الصحية أو الطبية التي لا نعرف مدى حقيقتها ومن يرخص لها؟ وما مدى الرقابة الأمنية عليها؟ وما الكميات التي تنتجها لتقوم بتوزيعها؟ وما مظلة التوزيع التي تقوم على أساسها؟ والآليات الاحترافية التي تقوم عليها للتمرير بين الدول؟ ومن القائمون عليها والداعمون لها لتحقق انتشارها وأهدافها المتنوعة بدءا من القضاء على العقول الشبابية والتأثير على الفكر المستقبلي الذي يُستغل في الجرائم الإرهابية، ودمار المجتمعات سياسيا وإشعال الحروب النفسية، والقضاء على المشاريع التطويرية والاستنزاف المالي، والحد من الجهود الوطنية والدولية التنموية لإضعاف الطاقات المبذولة والإمكانيات المسخرة التي تسهم في بناء البشرية. أمور كثيرة حورت وفرعت الجهود وشتَّتت تركيز الجهات الأمنية على المستوى الدولي والجهات المتعاونة معها على مختلف الأصعدة لكثرة الأضرار الناتجة عن هذه الحروب الجديدة. والمشكلات التي تتوالد منها يوما بعد الآخر.. فهل من حل؟
نحن نتحدث اليوم عن أرقام وإحصاءات لوفيات الكورونا، ونرصد ونترقب ارتفاعها وهبوطها حتى نستطيع أن نقرر في اختياراتنا للخطط المناسبة التي تحمي أنفسنا وأبناءنا وكبارنا من أَضرار يحدثها فيروس أضاع منا أرواحا، وأصابنا بمصائب أحاطتنا بعديد من الخسائر، من دول عظمى سقطت بسياساتها الإدارية وأضعفت قوتها، ومن سياسات تنموية غيرت بوصلة العمل فيها بالتركيز على القطاعات الصحية أكثر من غيرها، وخسائر مالية انصبت على الحملات التوعوية والعلاجات الصحية والموارد الطبية، لكن في الحقيقة وفي مقابل كل ما سلف، لم نقم برصد وحصر ما يحدث من خسائر أكبر ناتجة عن دمار أعظم يحدث في الخفاء ناتج عن امبراطورية ناعمة تسير على خطوط دقيقة ومدروسة، وتستغل ظروفا وأزمات دولية لتحقق نجاحاتها لتقضي على مستقبل الدول وعقولها المفكرة، لما تحدثة من خسائر في الأرواح، والأموال، والأرزاق، والعلاقات، ومشاكل، وقضايا دولية سياسية واجتماعية وأمنية واقتصادية ومجتمعية وفكرية وغيرها الكثير.
ومن نتائج الحروب الكبتاجونية عقول مخدرة وغير واعية تستغل لتكون فرصة للدعاية السوقية المؤثرة على العقول البشرية من خلال الإعلانات الجاذبة المتعلقة بالجوانب الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية وغيرها مستغلة حاجة الناس، لكن الأثر الأعظم يقع على العقول الواعية حيث إن عقل الإنسان خلق واعيا ذكيا لديه قدرات فكرية تحدد الصواب من الخطأ، فما سبب التأثير عليه ووقوعه في فخ امبراطورية الكبتاجون؟ وما المعطيات التي تستند إليها هذه النوعية من الحروب للدخول بها إلى عقول البشر الواعية غير الجاهلة؟ إنها الحاجة التي تشعل نيران الحرب النفسية لتكون مصدرا مساندا ومؤثرا لتبدأ سلسلة التأثير المدمر على الفرد في المجتمع الداخلي ومنها إلى الدولي وخسائر بمليارات الأموال التي تصرف للتصدي لهذه المؤامرات.
في الحقيقة للتصدي لهذه الامبراطورية التي تشن حروبا ناعمة ليست على دول فقط، بل على منظمات وأفراد وشخصيات وأحزاب وتكتلات وغيرها، لا نحتاج إلى أزمات لنكشف الستار عن أضرار تحققت تتطلب معالجة وميزانيات طائلة ، بل يجب أن نضع الخطط والاستراتيجيات الدولية التي تتصدى لمثل هذه الإمبراطوريات الناعمة وخلاياها الارهابية المدمرة لعقول البشرية، ولا نحتاج إلى يوم عالمي حتى نستعرض أهم إنجازاتنا، من خلال احتفالية عابرة، بل نرغب في رصد كل ما تقوم به الجهود الوطنية والدولية بشكل دوري معلن عنه اعلاميا كما حدث مع المؤتمرات والإعلانات الإعلامية اليومية لتتبع حجم وآثار فيروس كورونا لقياس حجم وضرر تلك الحروب التي أضرت بالعالم ولا تقارن بحجم الضرر الأكبر الذي تحدثه امبراطورية الكبتاجون المتصاعدة في تطور الجريمة وما يتفرع عنها من جرائم متعددة تقع على (النفس والمال والعرض والعقل) الضروريات الخمس التي يحميها القانون.
إن مفتاح النجاح للمواجهة والتصدي للحد من حروب الإمبراطوريات الكبتاجونية المدمرة لمجتمعاتنا وجهودنا الوطنية والدولية تتمثل في: وضع الآليات المشتركة والتعاونية وطنيا ودوليا بعيدا عن المشكلات والقضايا السياسية من خلال الحملات التوعوية المستمرة والدائمة، والخطط والاستراتيجيات المستقبلية التي تعمل على دراسة حاجة الشباب في ظل التطورات العصرية والتنموية من الناحية العلمية والوظيفية والأسرية والاجتماعية كمتطلبات أساسية، ودراسة حاجة أفراد المجتمع وسد احتياجاتهم ومتطلباتهم المعيشية الأساسية وغرس المبادئ والقيم المجتمعية والوطنية، والربط بين مختلف المجالات من الناحية التنموية، ومواكبة أحدث التطورات العصرية لها، ودراسة الظواهر ومعرفة أهم مسبباتها وسرعة معالجتها من خلال تكاتف الجهود الوطنية والدولية علميا وعمليا، ووضع الحلول الوسطية لمواصلة المسيرة التنموية، ومعالجة القضايا الدولية والسياسية، ووضع الخطط الاستراتيجية المستدامة التي تنعكس آثارها على كل فرد في المجتمع وعلى المستوى الدولي للتصدي لمختلف الخسائر التي أضاعت الجهود الفكرية والتنموية، ووضع التشريعات القانونية الدولية المشتركة والموحدة الحازمة لمحاسبة كل من يدخل في دائرة التعاون مع هذه الإمبراطورية، والتعاون الدولي في البحوث العلمية من خلال أبرز المراكز البحثية دوليا، ووضع القوانين الصارمة التجارية والخاصة بالنقل والتوريد والجمارك، مع تحديد الحالات الصحية المستعصية التي تحتاج إلى علاجات طبية تدخل في مكوناتها الكيميائية المواد المخدرة والكميات الموصي بها وحجم تناولها وفترة العلاج من خلال الإعلان عنها اعلاميا، وأن يتم نشر احصاءات دورية بالحالات التي تعرضت إلى ضرر من هذه الإمبراطورية الكبتاجونية وحالات التشافي منها والحالات المستعصية ومواقع وجودها حتى يتم على أساسها وضع الخطط والدراسات البحثية والاستراتيجيات التنموية التي تتصدى لهذه النوعية من الحروب المدمرة لمجتمعاتنا والتصدي لآثارها المفجعة، وتتبع وسائل الإعلام الحديثة والمتفرعة عنها من وسائل التواصل الاجتماعي التي تسوق لمثل هذه النوعية من المواد المخدرة وتوابعها من خلال التقنيات الحديثة المطورة المشتركة دوليا، واستخدام آلية الذكاء الاصطناعي وتفعيل الخوارزميات الذكية التي تدخل في تتبع مخططات سياسات الحروب الناعمة التي تبدأ من تغييب العقول التي تطلقها امبراطورية الكبتاجون، وإغلاق الحدود مع الدول المصنعة والمصدرة والموزعة للكبتاجون وغيره من المخدرات.