مقالات
الشاعر الراحل جمال قعور بعيون فلسطينية بقلم: شاكر فريد حسن
تحلّ اليوم ذكرى وفاة الصديق الشاعر والأديب جمال قعوار، الذي ملأ فضائنا الثقافي والأدبي بأشعار وقصائد الحُبّ والغزل والوجدان والتأمل والطبيعة والوطن. وهومن أوائل شعراء الداخل الفلسطيني الذي أصدروا مجموعة شعرية وهي “سلمى”، لكنه عانى التهميش والتغييب وأغمط حقه المستحق.
تعرفت إلى الدكتور جمال قعوار من خلال كتاباته المنشورة في الصحف والمجلات الأدبية والثقافية، ثم عرفته شخصيًا يوم رحيل ابن بلدي مصمص، الشاعر راشد حسين، بعدها التقينا كثيرًا في اجتماعات لجنة إحياء تراث بحكم أننا كنا عضوين فيها، وتوسمت فيه التواضع الجم والخلق الرفيع والطيبة والتسامح والحس الإنساني الصادق.
عرف جمال قعوار بغزارة الإنتاج والمشاركة الفاعلة في الأنشطة الثقافية والأدبية، وكان ترأس رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين، وأشغل رئيس تحرير مجلة “المواكب” المحتجبة، التي كان لها دور هام في الحراك الأدبي والثقافي في بلادنا.
لفتت قصائد جمال قعوار الأنظار لرقتها وصدقها وطلاوتها وعذوبتها ومضمونها الإنساني والوجداني وإيقاعاتها الموسيقية وأسلوبها الفني السهل الممتنع وصورها المكثفة، وتناول العديد من الكتاب والنقاد والباحثين والدارسين والأكاديميين تجربة جمال قعوار الشعرية ومسيرته الأدبية، وتعرضوا بالنقد والتقريظ والإطراء والدراسة مجمل أعماله التي بلغت ما يقارب عشرين كتابًا.
وفي هذه العجالة سوف أتوقف مع بعض الآراء واستعراض مقتطفات مما كتب وقيل في جمال قعوار وتجربته الإبداعية ومشواره الأدبي الزاخر بالعطاء والإبداع الجميل الراقي.
فالشاعر الصفوري الراحل طه محمد علي، الذي كان صديقًا له منذ العام 1952، يقول عنه: “جمال قعوار شاعر مطبوع، طويل الممارسة، وعريض التجربة، وحبه العظيم للجيد من الأدب العربي القديم يملك عليه قلبه. يقدس الشعر الجاهلي، ويحب المتنبي، ويرى في شوقي من الشعراء المعاصرين شاعرًا غنائيًا عظيمًا، وهو يروي عن ظهر قلب أشعار المتنبي وأبي تمام والمعري وأنوه ان جمال حتى وهو يكتب القطعة الشعرية الجميلة القصيرة التي تغنى، لم يخرج مطلقًا عن عذوبة اللفظ وبلاغة العبارة وسلامة الأسلوب العربي السليم”.
أما الشاعر والمفكر المرحوم فوزي عبد اللـه، الذي جمعته به صداقة حميمة وعلاقة وثيقة، فقال في معرض حديثه عن مجموعته الشعرية “ايلول”: “إنّ تشبيهات الشاعر تأتي في معظمها خالية من أداة التشبيه مما يزيد من جماليتها، وهي مستمدة من الأرض الفلسطينية، فالنبع والغدير والحواكير والسنابل والطيور هي عبق سحر بلادنا فلسطين أما في التشبيهيين الأخيرين فيحاول الشاعر تحديد الموقع بشكل مباشر تحديداً لانتمائه الوطني”.
ويرى الكاتب المرحوم سليم خوري أن جمال قعوار “كان واضحًا كل الوضوح في “اغنيات من الجليل”، وكان يعبر عن أحاسيس ومشاعر اقليم الأرض، الأشجار، الرجال، الصبايا، الأزهار، السجون، الآمال والاماني كلها تحولت الى كلمات في فم جمال، ومن ثم تحولت هذه الكلمات الى رؤى شعرية حية امام كل من يقرأ “أغنيات من الجليل” ولكن جمالًا بقي في نظري – وكأنه يقف ليبدأ حديثه من جديد ويقص علينا “قصتهم” ولكم قصة من !”.
في حين يقول صديقه ورفيق دربه الشاعر والاديب الراحل ميشيل حداد عن ديوان “موسم الذكرى”: ” إنها مقطوعة شعرية أنيقة تحمل الكثير من الغزل الرقيق والرفض العنيف والانسانية الشفافة المليئة بالإحساس المرهف مع ما يقاسيه شعبنا من قسوة وعناء الحياة، ومع تطلعه إلى الاستقرار في الاطمئنان على من حوله من الاهل”.
أما الكاتب عطا اللـه جبر، فيقول:” إن مضامين الشعر لدى الشاعر كثيرة وزحمة تربطها جميعًا مأساة الانسان الفلسطيني ومحاولاته الدائمة في النهوض والمضامين كثيرة لا تلغي بعضها بل تشد من أزر بعضها البعض وتتنامى متوترة قلقة متمازجة مسايرة للحدث بشكل واضح، فالأمل بعودة اللاجئين يتلاقى مع حب جارف لما تبقى من فلسطين. وهنا تجيء قصائد من مجموعة “أغنيات من الجليل” فلا حياة للحبيب لان المحبوبة وراء الحدود. والجليل لن يعود كسابق عهده إلا إذا عادت المحبوبة لحضن الحبيب. أما في “الريح والشراع” فأن الشاعر يحول قصائده إلى مقاومة من كان السبب في المأساة وتصبح كلماته بمثابة سلاح يواجه الريح العاتية ليخترق المركب الفلسطيني بحره ويصل المرساة. اذ ان مأساة الشاعر تعمقت أكثر وقطعة أخرى من الجسد الفلسطيني انسحقت، وقسم من ابنائه فرض عليهم الترحيل بعد محاولة الابادة ”
وأما الشاعر والكاتب حاتم جوعية فيقول عن جمال :”يمتاز شعر جمال قعوار جميعه (الكلاسيكي والتفعيلي والنثري) بقوة اللغة وجزالتها، وبمقدرة وثروة لغوية ثرية واسعة من الكلمات والمفردات وبالتعابير البلاغية الجديدة المبتكرة وببراعة فائقة في اختيار الكلمات والمفردات الجميلة الخلابة والمميزة بالمستوى الفني الراقي وبالصورة الشعرية المكثفة البليغة، وبالخيال الرومانسي المجنح الحالم الخصيب وبالرؤيا الشمولية والفلسفية للحياة، وشعره قوي النبرة عالي الهمة نفيس رائع جميل – جليل الهدف يحمل رسالة مثل سامية لشعبه وللإنسانية جمعاء في شتى ضروبه وألوانه “.
بينما الكاتب نبيل عودة، فيقول: ” إن اجواء غرامه ووطنياته تكاد تندمج وتذوب ببعضها البعض، واحيانًا تعاود قراءة القصيدة مرة ومرتين لتميز ان كان دافعها الاول الغرام او دافع وطني.. ويكاد، عامة، شعرنا الفلسطيني كله يتميز بهذه الخاصية “.
أما الشاعر محمد علوش الذي جمع وأعد كتاب “مسيرة العطاء في شعر جمال قعوار ” فيخلص الى الاستنتاج : ” ان قصائد قعوار تنمي الذاكرة وتحفزها دائماً على التذكر والتذكير ، وتواكب الأحداث والتطورات، إنها الآني واليومي ، وفيها بعد النظر والالتفات على كل ركن شاردة عن الاضواء، من الأشياء البسيطة المتروكة انبثق اجمل الشعر الذي يحمل في طياته بشارة التكوين، وقصائده أجراس تقرع ، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأرض والإنسان، بالوطن والحنين، بالكفاح ضد الظلم والتمييز، بالصراع من اجل الحياة الكريمة ، مشهرًا إبداعاته الشعرية عاليًا في فضاء الشعر وأجواء المرح، حتى أصبح محط آمال الكثيرين “.
أخيرًا، هذا بعض من فيض ما دبجته الأقلام وكتبته بمدادها وإحساسها عن شاعرنا الراحل جمال قعوار، الذي سيظل خالدًا في القلب وذاكرتنا الثقافية الحيّة.