مقالات

القدس هي من أعشق” بقلم:د.حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي

أمين عام الهيئة الاسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات

(موضوع الثقافة موضوع ثابت هو لماذا نحيا ؟ أما الحضارة فهي تقدم متصل يتعلق بسؤال آخر هو : كيف نحيا ؟ اول سؤال عن معنى الحياة والثاني عن كيفية هذه الحياة..لهذا السبب ، يعتبر الوعي التاريخي جزءً أساسياً من ثقافة أية أمة حريصة على بناء مستقبلها ضمن قيمتها الخاصة..لذلك ، ليست الثقافة أن تقول شيئاً جميلاً ، وتعمي غيرك بنورك الذي تملكه ، انما أن تكون أنت النور الذي يجعل غيرك يهتدي بخير ما تملكه..لأن ، خطر العوام والغوغاء أقلُّ جدّاً من خطر المتعلمين وأشباه المتعلمين الذين يتحذلقون بأفانين الثقافة الحديثة بينما هم في أعماقهم عوام)

الثقافة هي كلمة عريقة في العربية ، تعني صقل النفس والمنطق والفطانة ، وفيالقاموس : وثقف نفسه ، أي صار حاذقاً خفيفاً فطناً ، ولطالما استعملت الثقافة فيعصرنا الحديث هذا للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات. فالثقافة لا تعد مجموعة من الأفكار فحسب ، ولكنها نظرية في السلوك مما يساعد علىرسم طريق الحياة إجمالاً ، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب منالشعوب ، وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عن غيرها من الجماعاتبما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ ، والسلوك والمقدسات والقوانينوالتجارب. والثقافة هي مجموع العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها ويمتثل لها أفرادالمجتمع . ذلك أن الثقافة هي قوة وسلطة موجهة لسلوك المجتمع ، تحدد لأفرادهتصوراتهم عن أنفسهم والعالم من حولهم وتحدد لهم ما يحبون ويكرهون ويرغبون فيهويرغبون عنه.

*فوائد الثقافة:

1- تكسب أفراد المجتمع شعور الوحدة وتهيئ لهم سبل العيش والعمل دون إعاقةواضطراب.

2- تمد الأفراد بمجموعة من الأنماط السلوكية فيما يتعلق بإشباع حاجاتهم البيولوجيةمن مأكل ومشرب وملبس ليحافظوا علي بقائهم واستمرارهم.

3- تمدهم بمجموعة  القوانين والأنظمة التي تتيح لهم سبل التعاون والتكيف معالمواقف الحياتية وتيسر سبل التفاعل الاجتماعي بدون أن يحدث هناك نوع من الصراعأو الاضطراب.

4- تجعل الفرد يقدر الدور التربوي الذي قامت وتقوم به ثقافته حق التقدير خاصة إذااختبر ثقافة أخرى غير ثقافته من عادات وتقاليد تطغى علي وجوده.

5- تقدم للفرد مجموعة من المشكلات التي أوجدت لها  الحلول المناسبة وبذلك توفر عليهالجهد والوقت بالبحث عن حلول تلك المشكلات.

6- تقدم للفرد تفسيرات تقليدية مألوفة بالنسبة لثقافته يستطيع أن يحدد شكل سلوكهعلي ضوئها فهي توفر له المعاني والمعايير التي بها يميزون بين الأشياء والأحداثصحيحة كانت أم خاطئة عادية أو شاذة وهي أيضا تنمي لدى الفرد شعورا بالانتماء أوالولاء فتربطه بمجتمعه رابطه الشعور الواحد .

*الثقافة هوية شعب

يعتبر شعبنا الفلسطيني من أكثر الشعوب ثقافة وطنية ، لأننا بثقافتنا الوطنيةوبمعرفتنا الكاملة بموروثنا الثقافي نستطيع محاكاة الجميع ، فالاحتلال الإسرائيليسرق جزء كبير من موروثنا الثقافي وعمل على تهويدها وتغيير أسماء الأماكن المقدسةحتى يجد له مكاناً على هذه الأرض ويثبت للعالم أن هذه الأرض ملك أجداده منذ ألافالسنين ، خاصة وأنه يمتلك وسائل إعلامية تعمل على تزوير الحقائق ، فنحن لا نخشىمن اندثار تراثنا الوطني بقدر ما نخشى سرقته من قبل الاحتلال الاسرائيلى.

وتعتبر الثقافة الوطنية الفلسطينية جزء لا يتجزأ من هوية الشعب الفلسطيني على مرالتاريخ والعصور ، مما لابد من الإشارة إليه أن بدء ظهور المجلات والملاحق الثقافية فيفلسطين يعود إلى عام 1905 ، حيث الاهتمام بنشر كتابات المثقفين الفلسطينيين فيالأراضي المحتلة وفي الشتات ، إضافة إلى ما ينتجه الكثير من المثقفين وكبار الكتابوالشعراء والأدباء العرب المناصرين للقضية الفلسطينية.

وقد شكلت الديانات السماوية التي ظهرت أو انتشرت منذ بداياتها على أرض فلسطينوكذلك المساهمات الحضارية للشعب الفلسطيني في التجارة عبر البحار والزراعةالمتطورة عناصر هامة في نشر الثقافة الفلسطينية والعربية والإسلامية والمسيحية ،وكذلك في امتزاجها بثقافات مختلف الشعوب في العالم. حيث كانت فلسطين محطأنظار المؤمنين من المسيحيين من شعوب العالم قبل ألفي عام والقبلة الأولى للمسلمين قبل ألف وأربعمائة عام ونيف. وصارت فلسطين غذاء الروح والعقل والفكر لأعداد هائلةمن الكتاب والشعراء والمفكرين والعلماء ، وحطت الرحال بأعداد كبيرة منهم في مدنفلسطين وقراها ، في وديانها وقمم جبالها وسهولها وشواطئها. وعلى مر العصورعانت فلسطين من الغزو والاحتلال والحروب ، والتقت على أرضها في يوم واحد جيوشدول غريبة عن بعضها البعض ، جمعتها أطماع وأحلام وطموحات ، وتفرقت مهزومةامام صمود الشعب الفلسطيني والمؤمنين من حوله بعروبة فلسطين. حيث حدث هذافي التاريخ مراراً وتكررت الهزائم وتكرر الفوز وبقيت فلسطين أرضاً ومهداً للدياناتوالحضارات والتقدم ومنهلا للفكر والعقيدة وقلباً مفتوحاً للتآخي والتسامح والسلام.

وكانت فلسطين بأرضها وشعبها ودياناتها وثقافتها ملهماً ومنهلا لكبار الكتابوالشعراء والرحالة ، ومنهم الروس الذين وصل إليها منهم كثي ر، كتبوا فيها قصائدهمالخالدة ومذكراتهم الشيقة المثيرةوكتب عنها غيرهم كثر ممن حلموا بها ولم تسعفهمالحياة بزيارتها. ( بوشكين ، ليرمونتوف ، تولستوي وراسبوتينالخ) وكتاب وأدباء منمختلف بلدان أوروبا ومن أسيا وأفريقيا. وفي ظل الثقافة الفلسطينية وفي حضنهانشأ أروع وأصدق الشعراء والكتاب من أبنائهامحمود درويش وسميح القاسم وإميلحبيبي وعبد الرحيم محمود وتوفيق زياد وغسان كنفاني وإبراهيم طوقان وغيرهمالكثير الكثير .. ومن المفكرين ايضا الكثير الكثير وليس ادوارد سعيد اولهم او اخرهم ..   وترجمت أعمالهم الشعرية والنثرية إلى العديد من لغات العالم فأغنوا بها ثقافات تلكالشعوب  وعمقوا بها لغة الحوار والسلام.

*مقومات الارتقاء لنصرة القدس:

تحتاج المدينة المقدسة أكثر من أي وقت مضى دعماً كاملاً لكافة مناحي الحياة فيها ،ويعتبر الدعم المالي للمقدسيين أهم نقطة في مساعدتهم على الصمود في وجه ترسانةالتهويد والتهجير. وذلك لما يعانيه المقدسي اليوم من تضييق من قبل سلطات الاحتلال ،وفرض غرامات مالية باهظة عليه لإجباره على الرحيل من القدس ، مما يؤدي الىتناقص أعداد المرابطين بالقدس والمدافعين عن المسجد الأقصى المبارك.

ولا بد من توفير دعم قطاع الاسكان ، فيعتبر السكن من أبرز معاناة المقدسيين فيأرضهم ، في ظل ما تفرضه حكومة الاحتلال وبلديتها في المدينة المقدسة من قوانينصارمة تمنع المقدسيين من ترميم منازلهم ، أو البناء على أراضيهم ، ناهيك عن مصادرةالأراضي وهدم المنازل ، حيث بات المقدسيون يعيشون في بيوت قديمة مهترئة تفتقرلأدنى درجات الصحة ، فتراها شديدة البرودة في الشتاء تغمر المياه رؤوس أصحابهاجراء الشقوق ، وشديدة الحر في الصيف مليئة بالحشرات ، لذلك لا بد من وقفة حازمةلإعانة المقدسيين على الصمود والتحدي من خلال المنح السكنية وإعادة الترميم.

وبنظرة سريعة على قطاعات الصحة والتعليم : فان القدس تعاني من نقص فيالمشافي والعيادات الصحية ، إضافة الى نقص حاد في المدارس ومستلزماتها حيثبات ألاف الطلاب دون مقاعد دراسية ، والعديد من المرضى يستجدون علاجاً ، لذا يعتبرتوفير المعدات الطبية والمراكز الصحية ومستلزماتها ، اضافة لدعم قطاع التعليم فيالمدينة من اولويات نصرة المقدسيين.

ولا بد من اعداد خطة توعوية إعلامية لإطلاع الرأيين العربي والدولي على ما يدورداخل مدينة القدس من عمليات تهويد وتهجير للسكان وسرقة للتراث الإسلامي ، وهذاالأمر يكون من خلال نشر الخرائط التى تخص مدينة القدس من خرائط السكان وخرائطالتراث وخرائط الحفريات وغيرها ، وكذلك نشر مقاطع الفيديو والدراسات والتقاريرالتي توثق ما يدور داخل القدس وتحت المسجد الأقصى المبارك. ولا بد من حفظ خريطةالقدس  لحفظ أسماء المناطق والأحياء العربية في القدس للحيلولة دون تهويدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق