مقالات

الإرهاب وكورونا والانتخابات الأمريكية..هل تتساوى تجليات نظرية المؤامرة بين الشرق والغرب؟

3 تطوّرات يشهدها العالم اليوم، لم يخفّ تصاعد ألسنة اللهب منها وما خلّفته من دخان كثيف، الأنساق الكبرى المتوارية عند “العربي والمسلم والأوروبي والغربي”، في مقدمتها عمليات “إرهابية” تضرب فرنسا والنمسا، وربما تشمل دولاً غربية وشرقية، تتخذ الأسلوب الأكثر عنفاً “قطع الرؤوس” الذي أسس له تنظيم داعش في العراق وسوريا وليبيا، في الوقت الذي يشهد فيه العالم كله موجة جديدة من تفشي وباء “كورونا“، هذا الوباء الذي يرسل رسائل مزدوجة وإجابات عن التساؤلات الكبرى وخيارات “العالم” ما بين الاتصال أو الانفصال بين الأمم والشعوب والدول، فيما “الارتباك” هو القاسم المشترك بين قادة العالم تجاه التعامل مع الوباء، ما بين تطلعات السياسيين لاستثمار الوباء، وتحذيرات الاقتصاديين من تداعيات الوباء على الاقتصاديات الكلية والجزئية لدول العالم، فيما يحاول خبراء الصحة ومكافحة انتشار الأوبئة التغطية على عجزهم بإعلانات متكررة عن التوصل إلى إنتاج لقاحات جديدة، في إطار تنافسية من أبرز مرجعياتها تحقيق الأرباح من جيوب فقراء العالم، وتنافس غير مسبوق بين مرشحين أمريكيين على الرئاسة، يصوّت فيها الأمريكيون ظاهرياً، وباطناً يصوّت العالم فيها عن بعد، لما تمثله أمريكا من قيادة للعالم، وأنّ هويّة الرئيس الجديد تعني العالم كله.

الارتباك هو القاسم المشترك بين قادة العالم تجاه التعامل مع فيروس كورونا، ما بين تطلعات السياسيين لاستثمار الوباء، وتحذيرات الاقتصاديين من تداعياته السلبية

هذا الارتباك العالمي كشف فيما كشف عن جملة من الأنساق الكبرى المضمرة لدى الأمم والشعوب، بما فيها الشعوب الإسلامية، تعكس التصورات الثابتة والمستقرة، التي يبدو أنّ “عالمية” الإرهاب والوباء يجاهدان لإحداث “خلخلة” فيها، لكن من غير الواضح مآلات هذه “الخلخلة” ونتائجها.

وخلافاً لما يعتقد كثيرون بأنّ نظرية المؤامرة ميزة للثقافة والعقل الإسلامي والعربي فقط، لما توفره من “مكارم وإعفاءات” بديلة لعناءات البحث والتفكير، ومساءلة المسكوت عنه والمقاربات “المعلبة”، إلّا أنّ نظرية المؤامرة هي ميزة “ناشئة” للعقل الأوروبي والغربي، وكلتاهما تستند لمقولات مؤسّس لها في الفكر والفلسفة والاستشراف والاستشراق من رموز وقادة الفكر، تعبّر عنها كتابات غربية مثل “صراع الحضارات، ونهاية التاريخ”، يقابلها كتابات عربية وإسلامية تجري مضامينها على مقولة مؤسّس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن: “فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان”.

تجليات المؤامرة مع كورونا والإرهاب في الغرب يعبّر عنها المحتوى الإعلامي الغربي: “لماذا يكرهوننا؟ والإرهابيّون يستهدفون قيمنا وحضارتنا…”، يقابلها محتوى عربي وإسلامي: “الإرهاب من إنتاجكم، وأكاذيبكم بالحرية والعدالة التي تستثني المسلمين، وأنتم المسؤولون عن هدم الخلافة الإسلامية، واستعمار بلاد العرب والمسلمين، وتنصيب حكّام دكتاتوريين على المسلمين، وهذا الوباء المُسمّى كورونا من إنتاجكم، ولديكم اللقاح لكنكم تريدون قتل المسلمين”.

ورغم ذلك، فإنّ هذه التجليات تجاه عمليات قطع الرؤوس كانت أكثر وضوحاً، فالغرب بالنسبة إليه تجسّد هذه الصورة “الوحشية”، وبالنسبة إلى العرب والمسلمين “تذكير لفرنسا والغرب باستعمارهم العرب والمسلمين والتنكيل بهم”. وقد كان لافتاً للنظر تلك المقاربات العربية والإسلامية تجاه قطع الرؤوس في فرنسا، بالذهاب إلى قصة الرسوم المسيئة للرسول محمّد، عليه السلام، والقفز عن قصّة قطع الرأس، فيما ظهرت صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمشرّدين ومعتقلين “فلسطينيين وسوريين” تذكّر الرئيس الفرنسي بمسؤوليته عن كلّ ما يعانيه العرب والمسلمون بسبب “الاستعمار ودعم إسرائيل”.

نظرية المؤامرة لدى العرب والغربيين تستند لمقولات مؤسّس لها في الفكر والفلسفة والاستشراف والاستشراق من رموز وقادة الفكر

أمّا الانتخابات الأمريكية، ولأنّ النسقية العربية سجينة صورة الحاكم المطلق الصلاحيات، لا دولة المؤسسات، فإنها تعتقد أنّ هناك فروقات جوهرية وعميقة بين تداعيات فوز ترامب أو بايدن في الانتخابات، وربما تعبّر فضائيتا “العربية والجزيرة” عن مستوى معيّن من الموقف الرسمي العربي تجاه الانتخابات الأمريكية، فوفقاً للعربية ترامب “لا خوف عليه”، أمّا الجزيرة، فقد أعلنت “خسارة” ترامب قبل إجراء الانتخابات، وبالتزامن، فإنّ غالبية الرأي العام العربي والإسلامي تنظر إلى الانتخابات من زاوية سياسات ترامب تجاه قضايا العرب والمسلمين، وأنه” ضمّ القدس والجولان السوري لإسرائيل”.

أنساقنا المضمرة بمرجعياتها الدينية والقومية، وبمعزل عن تقييمها سلباً أو إيجاباً، والتساؤل حول مدى قدرتنا معها على الولوج بهذا العالم، للردّ على مقولات صراع الحضارات، ليس من السهولة تفكيكها، وإجراء عمليات جراحية لها “بإعادة إنتاج التراث أو بالقطيعة”، فالمجتمعات العربية ما تزال تعيش صور تناقض صارخة، ما بين بنى سطحية حداثية وأخرى عميقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق