مقالات

ماهر الأخرس. الصورة قدمتها العائلة مشكورة

كتب الاعلامي التونسي المعز بن رجب

ما زال الأسير ماهر الأخرس (49 عاماً) مضرباً عن الطعام منذ ما يقارب الـ80 يوماً احتجاجاً على أمر اعتقال إداريّ صدر ضدّه وهو الآن على شفا الموت جرّاء ذلك. يُذكر أنّ ماهر أب لستّة أبناء وهو من سكّان قرية سيلة الظهر في منطقة جنين. صدر أمر الاعتقال الإداريّ في بداية شهر آب ويُفترض أن ينتهي في 26.11.20. رغم حالته هذه، تصرّ الدولة على إبقائه رهن الاعتقال. في جلسة عقدت في محكمة العدل العليا صباح هذا اليوم (12.10.20) وافق ممثّل الدّولة على أن يتعهّد فقط بعدم تمديد أمر الاعتقال وعليه فقد أرسل قضاة المحكمة – سولبرغ وفيلنر ومزوز – محاميته أحلام حدّاد لتسأل ماهر الأخرس هل يقبل عرْض الدّولة. رفض الأخرس العرْض وأبلغ أنّه لن يوقف إضرابه عن الطّعام إلّا حين الإفراج عنه.

يحتجّ ماهر الأخرس على استخدام الاعتقال الإداريّ والذي يُعتبر أحد أشدّ الوسائل تطرّفاً التي يلجأ إليها نظام الاحتلال. لا يمكن للمعتقل الإداريّ أن يعرف متى سيتمّ الإفراج عنه لأنّ قائد المنطقة العسكريّ يملك صلاحيّة تمديد أمر الاعتقال دون التقيّد بأيّة مدّة زمنيّة – مستنداً في ذلك إلى أدلّة سرّيّة لا يمكن للأسير الاطّلاع عليها وبالتالي تفنيدها. حتى الآن احتجزت قوّات الأمن رهن الاعتقال الإداريّ آلاف الفلسطينيّين لفترات تراوحت بين عدّة أشهر وسنوات عدّة. في بعض الفترات، كما في فترة الانتفاضة الثانية، كان جهاز الأمن يحتجز في آنٍ واحد أكثر من ألف معتقل إداريّ. أمّا عدد الفلسطينيّين المعتقلين إداريّاً لدى إسرائيل اليوم (وفقاً لمعطيات آخر شهر آب 2020) فيبلغ 355 من بينهم قاصران اثنان.

عدا عن جلسة محكمة العدل العليا التي انعقدت اليوم للنظر في قضيّة الأسير ماهر الأخرس سبق أن نظرت المحكمة في التماس قدّمه الأخرس عقب تدهوُر وضعه الصحّي: في 23.9.20 قرّر القاضيان عميت وغروسكوبف (خلافاً لقرار القاضي مينتس) عقب الاطّلاع على الموادّ السرّيّة في جلسة بحضور طرف واحد أنّه “استقرّ رأيهم” على أنّ اعتقال ماهر الأخرس إداريّاً مبرّر تماماً. غير أنّ القاضيين أضافا أن الأخرس لا يشكّل خطراً بعدُ بالنظر إلى وضعه الصحّي، وعليه فقد بطُلت “الغاية الوقائيّة” من اعتقاله إداريّاً – إلّا أنّهما بدل من إصدار قرار بالإفراج عنه تذرّع القاضيان بحلّ سحرّ وجدته المحكمة لمثل هذه الحالات: “إرجاء” أمر الاعتقال وعدم تنفيذه الآن.

لا يوجد في نصّ القانون شيء اسمُه “إرجاء” أمر اعتقال إداريّ لكنّه حلّ توصّل إليه قضاة المحكمة العليا بوسيلة التأويل لكي يتهرّبوا من الحسم – ومن المسؤوليّة – في حالات تعرُّض حياة الأسرى للخطر جرّاء إضرابهم عن الطّعام ورفْض الدّولة الإفراج عنهم رغم ذلك. من غير الواضح ما تحمله هذه الخطوة من معانٍ ولكن ليس عبثاً بدا القاضي مزوز خلال جلسة هذا الصّباح مضطرباً إزاء آثار وإسقاطات هذا القرار السّابق.

في شكليّات القانون يخضع الاعتقال الإداريّ للمراجعة القضائيّة ولكنّ هذه المراجعة لم يحدث أن تمخّض عنها إبطال أمر اعتقال إداريّ إلّا في حالات استثنائيّة جدّاً، إذ تصادق المحكمة في معظم الأحيان على أمر الاعتقال. لكنّ المحكمة حتى قياساً إلى هذا التشدّد الدّائم قد بلغت أشدّ التطرّف في هذا الصّباح حين رفض القضاة إبطال أوامر الاعتقال الإداريّ ولجأوا إلى حلّ قضائيّ متملّص وعديم المعنى وهُم ينظرون في قضيّة معتقل إداريّ شفا الموت!

ليست هذه المرّة الأولى التي ترفض فيها الدّولة الإفراج عن معتقل إداريّ يوشك على الموت جرّاء إضراب عن الطعام يخوضه احتجاجاً على اعتقاله؛ والمحكمة العليا تتعاون مع الدّولة في هذا النهج المُفزع في وحشيّته. في جميع الحالات السّابقة التي نظرت فيها المحكمة وافق الأسرى المضربون عن الطّعام على عرْض الدولة وبدورها استمرّت الدّولة دون عائق وبمصادقة قضاة محكمة العدل العليا على نهجها الذي احتجّ ضدّه الأسرى بوسيلة الإضراب عن الطّعام. ولكنّ الأسير ماهر الأخرس قد أعلن أنّه سيواصل إضرابه عن الطّعام حتى الإفراج عنه ممّا يسحب من يد الدّولة – والمحكمة أيضاً – إمكانيّة مواصلة التملّص من الحسم. من يتحمّل المسؤوليّة عمّا سيحدث هُم جميع أولئك الذين كان بمقدورهم منع استمرار تدهُور الوضع الصحّي للأسير ماهر الأخرس، حتى الموت لا سمح الله. هؤلاء ما زال يمكنهم منع ذلك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق