مقالات
بين النزعة القطرية والمشروع القومي).. محمد جبر الريفي
جاء المشروع القومي في وقت كانت النزعة القطرية قد تكرست في الواقع السياسي العربي واصبحت لها رموز وطنية لها قداستها في الدولة الوطنية الحديثة التي ظهرت في الحياة السياسية العربية عقب حصول الاستقلال الوطني كعلم البلاد وعاصمتها السياسية وعملتها المالية ونشيدها الوطني لذلك ظل هذا المشروع القومي مجرد شعارات سياسية لفظية اصطدمت في الواقع فالوحدة المصرية السورية انتهت بالانفصال حيث الهيمنة المصرية وقد كان ذلك واضحا في المؤسسة العسكرية مما دفع الانفصاليين بطرد المشير عبد الحكيم عامر فور حدوث الانفصال اما في سوريا والعراق فلم تتحقق الوحدة بينهما رغم الرابط التاريخي والجغرافي وسيطرة حزب البعث على النظام السياسي في كلا البلدين بسبب ايضا تكرس النزعة القطرية وحساسية العلاقة التاريخية على القيادة بين بغداد العباسية ودمشق الأموية ..لقد ثبت أن النزعة القطرية التي اوجدتها التجزئة السياسية كاتفاقية سايكس بيكو وغيرها هى أقوى من الشعارات التي رفعها المشروع القومي لانها ارتبطت بمصالح الشرائح البرجوازية التي امتلكت الخبرة السياسية والاقتصادية
..اما ارتباط المشروع القومي بفلسطين فقد ظل مجرد ارتباط يغلب عليه الطابع الديني بسبب القدس والأماكن المقدسة وظل بعيدا عن المصلحة الطبقية الاجتماعية لذلك نجد الآن التهافت على التطبيع مع الكيان الصهيوني جريا وراء المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية التي عجز المشروع القومي عن تحقيقها بسبب فشله في تكوين الدولة القومية الواحدة .. كما أن تكرس النزعة القطرية كان له تأثيره السلبي على القضية الفلسطينية وعلى النضال الوطني الفلسطيني حيث جوبهت الثورة الفلسطينية في كل من الاردن ولبنان بمفهوم السيادة الوطنية كما ساهمت في عملية تعدد الفصائل وانتعاش ظاهرة الانشقاقات التنظيمية.. وهكذا يتضح من خلال استعراض سجل الوقائع السياسية في التاريخ السياسي المعاصر أن المشروع القومي لن يتحقق هدفه في اقامة دولة الوحدة إلا إذا ارتبط بمصالح الجماهير الشعبية فالمصالح خاصة الاقتصادية والاجتماعية هى التي تحقق الوحدة القومية وليست اي عوامل أخرى تماما كما حصل في التجارب القومية الأوربية حيث كان صعود البرجوازية على أنقاض الاقطاع الديني عاملا أساسيا في توحيد ألمانيا وايطاليا . موضوع المشروع القومي وفلسطين موضوع مهم تناوله في هذه المرحلة التي يغلب عليها غياب كامل للعامل القومي في إدارة الصراع العربي الصهيوني وتراجع شعار التضامن العربي ووحدة الصف والالتحاق بالمخططات التقسيمية الجديدة على أساس طائفي وعرقي وجهوي كما هو في مشروع خلق؛ شرق أوسط جديد تذوب فيه الرابطة القومية العربية. .