ثقافه وفكر حر

ساعي البريد ( قصّة مستوحاة من حدث حقيقي)

عامر عودة

كان ساعي البريد يرتِّب الرّسائل حسب العناوين ليُسلّمها لأصحابها. ومن عادته أن يفتح بعضها ليقرأ ما بداخلها ويكشف أسرار النّاس، ثمّ يعيد إغلاقها ببراعة وكأنّها لم تُفتح أبدًا. وقد قرَّرَ أن يفتح إحدى الرّسائل المرسَلة لشابٍ يسكن بحارته.

دُهش عندما قرأ الرّسالة! إنّها مرسَلة من إحدى الفتيات الّتي تسكن في بلد بعيد نسبيًّا عن بلده، تقول له فيها بأنّها تحبّه. وقدِ اعتاد ساعي البريد أن يتسلّى أحيانًا على هذا الشّاب، ويستهزئ منه أمام بعض الأصدقاء. فهو شابٌ بسيط يعيش مع أمّه لوحده. فضحك ساعي البريد في سرِّه، وأتى بورقة وقلم ونسخ تلكَ الرّسالة، وفي نهايتها أضاف ملاحظة يبلغه فيها أنّ عنوان حبيبته قد تغيّر، وأنّها انتقلت للسّكن في حارة أخرى، ووضع عنوانًا جديدًا لا وجود له. ثمّ أغلقَ الرّسالة وسَلّمها له.

وهكذا أخذت كلّ الرّسائل الّتي يرسلها الشّابُ العاشق لعشيقته تعود لمرسِلها لأنّ العنوان غير صحيح. وبطبيعةِ الحال كان منَ المفروض أن يعيدها ساعي البريد إلى صاحبها، لكن قبل أن يعيدها، كان يَفضّها ويقرأ ما بداخلها، ويَردُّ عليها برسالة وكأنّ حبيبته هيَ الّتي كتبتْها، ثمّ يغلقها ويُلصق عليها بعض طوابع البريد، ويختمها بختمٍ مشابه لختمِ البريد ويسلّمها له. أمّا رسائلها الحقيقيّة فقد كان يحتفظ بها لنفسه. وأخيرًا قرّر ساعي البريد أن يكتب له رسالة يقول فيها بأنّها لم تعد تحبّه، وأنّها تطلب منه بأن يكفّ عن إرسال الرّسائل لها…

“غريبٌ أمر هذا الشّاب. ما زال يُرسل لها الرّسائل وكأنّ شيئًا لم يحدث! وما زال يكتب لها بأنّه يحبّها وسيظلّ يحبّها إلى الأبد! فهل أكشفُ له الحقيقة أم لا؟” حدّث نفسه. وقرَّرَ أن يزوره في بيته…

ليست هذهِ المرّة الأولى الّتي يزوره فيها. ولكن هذهِ المرّة كانت مختلفة عن باقي الزّيارات، فلأول مرّة تجلس أمّ الشّاب معهما وتبادلهما الحديث، وكانت فرحة والابتسامة لا تفارق محيّاها. وبعد دقائق أتت بصينية القهوة وبعض الحلويات الشّرقية، وهي تبتسم وتقول:
_ تفضّل… هذه حلاوة خطوبة صديقك الّتي ستجري الأسبوع القادم.
صُدِمَ ساعي البريد ممّا سمعه، وقال بتأتأة:
– م.. مم… مبروك.
وجاهدَه العرق، وارتبط لسانه، حتّى أنه لم يستطع أن يسأل عن اسم العروس. وشرب قهوته بعجالة ليخرج. لكن قبل أن يخرج جاءت الأم بكيس مليء بالأوراق. وقالت له:
_ خذ رسائلك.. لا تفعل مع غيرنا ما فعلتَه معنا، فنحن ناس طيبون لن نشتكيَ للشرطة. الله يبعث لك بنت الحلال لنفرحَ بخطوبتك أنتَ أيضًا.
(عامر عودة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق