عالم المراة
لا يستسلمن.. هكذا غيرت النساء الهند بالاحتجاجات السياسية
كانت نصرة آرا نائمةً حين رن الهاتف، وعندما ردت سمعت صوت زميل متظاهر وهو في حالة ذعر، الأمر الذي جعلها تنتفض من مكانها.
وسرعان ما اندفعت خارج منزلها وعبر شوارع شاهين باغ (جنوبي دلهي)، باتجاه الموقع الذي كانت تتجمع فيه مع الآلاف من المحتجين الآخرين، ومعظمهم من النساء، كل مساء لأكثر من شهر.
في تقرير نشرته مجلة “تايم” الأميركية، قالت الكاتبة نيلانجانا بهوميك إنه عندما وصلت آرا إلى مكان الاحتجاج بدأت الأخبار التي سمعتها على الهاتف تنتشر، ومفادها أن الشرطة على وشك الوصول. وفي غضون دقائق، خرجت النساء من المنازل والأزقة وبدأ موقع الاحتجاج يصدح بالهتاف والشعر والنشيد الوطني الهندي، ومع ارتفاع الحشد، تراجعت الشرطة من المكان.
دعهم يروننا
في هذه الأثناء، كانت الجدة شابنام (65 عاما) تستمع باهتمام للخطاب، وبينما بدأ المتحدث ترديد شعارات الحرية، انضمت إليه شابنام، وقالت “لم أشارك أبدا في احتجاج، ولم أتحدث مطلقا في هذه الساحة، لم أكن أريد مطلقا أن أُسمع أو أن يُنظر إلي، ولكنني أقول الآن: دعونا نسير نحو البرلمان، دعوهم يروننا”.
وأضافت الكاتبة أنه منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجمعت الحشود في جميع أنحاء الهند للاحتجاج ضد حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بعد أن أصدرت قانونا يعتبره كثيرون تمييزا ضد المسلمين.
في شاهين باغ، وهو حي للطبقة العاملة وتقطنه أغلبية مسلمة، بدأت الاحتجاجات في شكل اعتصام صغير مسالم وإشعال الشموع من جانب نساء محليات، ومنهن آرا.
وكشفت الكاتبة عن أن المتظاهرين أغلقوا الطريق السريع الرئيسي الذي يربط بين العاصمة الهندية ونويدا لمدة 32 يوما.
فكل مساء يجتمع ما بين عشرة آلاف وعشرين ألف محتج من جميع أنحاء المدينة في هذا المكان، وتتناوب النساء للحفاظ على امتلاء الموقع ليلا ونهارا.
نحمي أطفالنا
تقول آرا (ربة منزل وعمرها 43 عاما) “نسينا منازلنا، ووضعنا جانبا التزاماتنا ومسؤولياتنا العائلية. نحن نحارب لأجل حقوقنا وحقوق أطفالنا”.
وفي مكان قريب، كان متظاهر آخر يقرأ نص الدستور الهندي، الذي يعلن أن البلاد “جمهورية علمانية ديمقراطية”، وتلقى الحشد هذه الكلمات بالتصفيق الحار.
ويحارب المحتجون مقترح حكومة مودي لقانون تعديل المواطنة، الذي يوفر المواطنة لجميع اللاجئين غير المسلمين من بنغلاديش وأفغانستان وباكستان الذين فروا إلى الهند قبل عام 2015، ويعرض سجلا وطنيا يفرض على الهنود تقديم دليل وثائقي على الإقامة والأصل الهندي.
وبعد فترة وجيزة من إقرار القانون، بدأت الشرطة فرض قيود شديدة على المحتجين والأصوات المنشقة، بما في ذلك القمع الوحشي في ثلاث جامعات (جامعة عليكرة الإسلامية، والجامعة الملية الإسلامية، وجامعة جواهرلال نهرو).
ودفع القمع الوحشي في حرم الجامعة الملية الإسلامية النساء المسلمات المحافظات مثل آرا للخروج إلى الشوارع.
وبعد مرور أكثر من شهر على بدء الاحتجاجات في الهند، لم تُظهر نساء شاهين باغ أي علامة على الاستسلام، رغم التهديدات بإخلائهن بالقوة.
تقول آرا “خرجنا من منازلنا مرتديات كفنا على رؤوسنا، وسنتلقى الرصاص وسنقع أرضا جراء الضرب، لكننا سنظل واقفات هنا لحماية مستقبل أطفالنا”.
أما الناشطة المخضرمة مدثا باتكار -المتظاهرة البارزة في حركة إنقاذ نارمادا- فقالت إنه عندما تكون المعركة طويلة وصعبة، فهناك حاجة للنساء.
وأضافت أن “ميزة الحركة التي تقودها النساء أنها تحافظ على وتيرتها لفترة أطول، فالنساء لا يستسلمن”.
ورغم أن الهند ترى هؤلاء النساء دروعا، “غير أنهن في الواقع سيوف”؛ فتاريخ الهند يظهر أنها ليست المرة الأولى التي تساعد فيها النساء على إبقاء شعلة الاحتجاج مشتعلة، وهذه نماذج على هذا الصمود.
ضد قطع الأشجار
عام 1973، عممت مجموعة من النساء الفلاحات مصطلح “معانقو الأشجار”، عندما قُدن مظاهرة بقرية في الهيمالايا لمنع قطع الأشجار.
وعندما وصل الحطابون وقفت النساء بحزم لمدة أربعة أيام، وأحطن بالأشجار؛ بعدها انتشرت الحركة في جميع أنحاء الهند كمقاومة منظمة ضد تدمير الغابات.
وفي ولاية أتر برديش، تمكنت حركة تشيبكو عام 1980 من فرض حظر لمدة 15 عاما على قطع الأشجار في غابات الهيمالايا بتلك الولاية.
مناهضة الأسلحة النووية
منذ الثمانينيات، ظلت نساء من قرية الصيد إيدين ثكراي الواقعة بولاية تاميل نادو (جنوبي الهند)، يحتججن ضد مقترح تشييد محطة كودانكولام للطاقة النووية في مقاطعة تيرونلفلي. ثم بدأت عملية إنشاء المحطة عام 2001 واستأنفت نشاطها عام 2013.
وعام 2011، بعد كارثة محطة فوكوشيما النووية في اليابان، حينها اكتسبت الاحتجاجات المناهضة للأسلحة النووية زخما كبيرا.
وخلال العام الماضي، تجددت الاحتجاجات عندما علم المتظاهرون أن الدولة تخطط لبناء مرفق بعيد عن المفاعلات النووية بهدف تخزين الوقود المستهلك داخل المنشآت التابعة للمحطة.
وقال كومار -أحد المنسقين الرئيسيين للحركة الشعبية ضد الطاقة النووية- في حوار أجراه مع مجلة “كارافان” العام الماضي “أسهمت النساء بإحداث الفرق بخوضهن نضالا بطوليا”.
وكانت النساء مقتنعات جدا بالآثار الضارة للمفاعل النووي، وكن يشعرن بالقلق بشأن عائلاتهن، لا سيما أطفالهن.
وبصفتهن من النساء اللائي يمارسن مهنة صيد السمك، كنّ متأكدات من أنهن سيتغلبن على وطأة هذه الآثار الضارة.
وحسب كومار، “كانت المتظاهرات ينتمين لديانات مختلفة، مسيحيات وهندوسيات ومسلمات، آمن جميعهن بالمقاومة السلمية؛ ففي الأوقات الصعبة تكون استجابة المرأة الأولى هي البقاء والقتال. وهنا يكمن جمال الحركات التي تقودها النساء، فهي لا تموت أبدا”.
كارثة بوبال وهيمنة النساء
في مدينة بوبال بولاية ماديا براديش، خرجت معظم النساء المسلمات للشوارع لطلب العدالة لأنفسهن وأسرهن التي وقعت ضحية إحدى أسوأ الحوادث الصناعية في العالم.
في ذلك العام، تسرب ما يقارب أبعين طنًا من الغازات السامة عن طريق الخطأ من مصنع للمبيدات لشركة “يونيون كاربايد”، التي تملكها الآن شركة “داو كيميكالز”، مما أسفر عن مقتل نحو عشرين ألف شخص، وعانى عدة آلاف من الأشخاص من المضاعفات الصحية. وحتى اللحظة الراهنة، وُلد الكثير من الأطفال في بوبال بتشوهات خلقية واضطرابات أخرى مختلفة.
بعد مرور 35 عامًا، لم تتخل معظم النساء عن معركتهن ضد إحدى أكبر الشركات متعددة الجنسيات في العالم.
وقالت راتشنا دهينغرا، العضو في مجموعة بوبال للإعلام والعمل التي لعبت دورا بارزا في حشد النساء؛ “في البداية، انضم الرجال للحراك، لكن خلال بضع سنوات، هيمنت عليه النساء، ما زلن يناضلن. لقد أبقين الحركة حية، واصلن تنظيم الاحتجاجات للمطالبة بتعويض مناسب للمتضررين، ولزيادة الوعي حول الآثار المستمرة للتلوث على الأطفال”.
احتجاجات سد نارمادا
تعد حركة نارمادا باشاو أندولان أطول حركة سلمية في تاريخ العالم أسستها النساء.
تقول باتكار “القضايا التي تؤثر على السكن أو سبل العيش أو حق المأوى يمكنها تعبئة النساء بشكل أسرع”.
وفي عام 1985، أسهمت باتكار في تنظيم مظاهرات ضد سلسلة مشاريع السدود الكبيرة عبر نهر نارمادا الذي يتدفق عبر ثلاث ولايات هندية، والتي طالبت بتقديم تعويض عادل لنحو 32 ألف شخص نزحوا من مدنهم جراء المشروع.
وتمكنت الحركة من الضغط على البنك الدولي -أحد رعاة المشروع- الذي سحب دعمه المالي عام 1993.
وفي عام 2017، منحت المحكمة العليا في الهند 681 نازحًا في ولاية ماديا براديش تعويضا قدره تسعون ألف دولار لكل منهم.
وبعد بضعة أشهر من صدور قرار المحكمة، وقفت النساء -بقيادة باتكار- في أعماق المياه الباردة لنهر نارمادا في صباح بارد من سبتمبر/أيلول للمطالبة بإنصاف 40 ألف عائلة معرضة لخطر فيضان سد سردار ساروفار.
واضربت باتكار عن الطعام لتسعة أيام، خلال شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، للمطالبة بإعادة تأهيل مناسب للمتضررين. وخلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عادت النساء للمياه مرة أخرى للمطالبة بتخفيض مستوى المياه في السد نفسه.
“وكالة أخبار المرأة”