ثقافه وفكر حر
طيف الماء / محمد جبر الريفي
تستشيط الطبيعة غضبا فتبدو له الغرفة أشد قتاما فينظر إلى ضوء البرق ساطعا، صوت الرعد يزمجر في الأفق بدأ المطر يتساقط مطر شديد قاس تسترخي على أثره المدينة ببطء.تتحول طرقاتها إلى سيل داكن لزج، وجهه المتجهم ينفرج قليلا ،هو دائما يحب الاستماع إلى صوت المطر ،إلى هذا الضجيج الذي ينام على وقعه فورا بدون أرق نوما ثقيلا وعندما يستيقظ يحس بأشعة الشمس فوق رأسه ..إنه يسمع قطرات المطر كما كان يسمعها من قبل ،كان المطر نفسه. .بدأت قطرات المطر تسيل بخفة من الجدار ،ماء ابيض لامع مشبع بالرطوبة والملح اجبره على أن يرفع عينيه باتجاهه فتتحول المرأة الزجاجية الكبيرة التي يحبها حيث يقف أمامها كل صباح إلى شراع ناعم مضطرب ،أشعة المصباح الخافتة تنعكس على صفحتها فتبدو ظلال الأشياء المبللة في الغرفة كأنها أطياف مرتعشة وبينما هو في زاوية من الغرفة في تأمل عميق للمطر تقدم منه طيف من الماء ..طيف جميل له وجه ابيض كالملاك وفوق جبينه خصلة من كبيرة متدلية من الشعر الأسود الناعم ..رآه بعد ذلك يتجه نحو الجدار الموحش المغطى بقشور صفراء ..في يده صورة كبيرة ملونة من الورق الناعم ..شعر بالخوف وعلا وجهه اصفرار باهت ثم نظر إليه في ذهول قائلا :صورة من هذه؟فابتسم الطيف عندها ابتسامة صافية ومن دون أن ينظر إليه أجاب :صورة الشهيد عايش ..يسمع وحيد الصوت فلم يقل شيئا لكن شوارع المدينة كلها بدأت تلوح أمام عينيه ..يراها مقفرةومليئة بالأحجار والاطارات المحترقة وأكوام القمامة والقطط والمقبرة الكبيرة مليئة بازهار البنفسج. .يكتفي بعد ذلك بالنظر إلى الطيف نظرة فاحصة مدققة هو ما زال يرنو إليه بإعجاب لا خفاء فيه ..قال اخيرا في سره : الحق أن وجهك ولا صوتك أيها الطيف غير غريب واقترب منه بخفه ليمسه بيده غير أن الطيف يدير له ظهره مبتعدا ثم يختفي .( فقرة من قصة قصيرة بعنوان طيف من الماء وهي إحدى قصص مجموعتي الثانية امرأة تعانق الريح )