مقالات
في حضرة الذاكرة ” عيد الميلاد المجيد / محمد جبر الريفي
#في حضرة الذاكرة ……..(عيد الميلاد المجيد ) في مثل هذه الليلة 24من شهر 12 عام 70 كنت شاهد عيان على احتقال عيد الميلاد المجيد في قرية قطينة المسيحية بمحافظة حمص بسورية الشقيقة حيث كنت مدرسا بمدرسة الكفاح الثانوية ومديرها الأستاذ جورج ..في تلك الليلة وانا اشارك أهل القرية فرحتهم وابتهاجهم عادت بي الذاكرة إلى مدينة غزة حيث يحتفل الأخوة المسيحيين فيها أيضا بعيد الميلاد المجيد ..في قرية قطينةتدق أجراس الكنيسة فيتوافد معلموا المدرسة من المسلمين إلى زملائهم المسيحيين ليقوموا بواجب التهنئة بقدوم عيد الميلاد المجيد وفي بيت أبو الياس الذي كنت أقيم في غرفة نائية فيه كنت أرى مظاهر التسامح والتعايش بين المسلمين والمسيحيين نفس المظاهر التي كنت اراها عن قرب في شارع البوسطة في غزة .. شارع البوسطة شارع صغير يوجد به سوق العملة الآن وهو متفرع من شارع عمر المختار باتجاه الشمال نحو مركز الشرطة القديم الذي كان يعرف في الماضي بمركز الدبوية وتقع بالقرب منه نحو الشرق قليلا مدرسة الزهراء الثانوية للبنات .. في قرية قطينةحيث الشتاء القارص والثلج الذي يغطي أوراق الأشجار والطرقات والاسطح وصوت فيروز الملائكي في اغنيتها ثلج ثلج.. ثلج ..عادت بي الذاكرة بمظاهر الاحتفال في شارع البوسطة الذي يتواجد فيه عدد من الإخوة المسيحيين الدكتور فكتور مسؤول الصيدلية العصرية الذي كان يعمل بها أخي كمساعد صيدلي وكان في بعض الأيام يصحبني معه وأخيه الأستاذ بديع الموجة في مدارس وكالة الغوث للاجئين وكذلك الاستوديو الذي يعمل به المصور كوكو وكيغام الارمني المشهور وصليبا والدكتور قسطندي أندرية أخصائي الأسنان والدكتور وحيد الارمني ايضا وفيليب الذي كان يدق جرس كنيسة دير اللاتين في حي الزيتون وبالقرب من الشارع ايضا الصيدلية العربية ومسؤولها الصيدلي جورج ريشماوي تجمع للإخوة المسيحيين في مربع واحد كان في ليلة عيد الميلاد المجيد يضج بمظاهر التسامح والتعايش والمودة ..كنت شاهد عيان ايضا على تلك الحالة الاجتماعية الروحية بكل مظاعرها الإيمانية السعيدة بين الإسلام والمسيحية فور سماع أجراس الكنيسة في حي الزيتون . .سنوات طويلة مرت الآن على تلك الأيام الذي كان الاحتفال بعيد الميلاد يتجلى بأبهى صوره في شارع البوسطة في غزة ..شارع صغير يكاد أكثر الناس في المدينة لا يعرفونه لكنه كان في تلك الأيام في الخمسينات من القرن الماضي صاخبا بمظاهر الفرح والابتهاج تتلالا في تلك الليلة على أبواب محلاته الزجاجية الأضواء بألوان مختلفة وأدوات الزينة بأشكالها البديعة التي تجذب المارة في النظر إليها وذلك في وقت كانت شوارع المدينة الفرعية القريبة منه معتمة تعيش في صمت مطبق لا يسمع فيها بين الحين والاخر سوى صوت الريح وصوت الكلاب والمطر….غادرت قرية قطينة بعد انتهاء العام الدراسي متوجها إلى بيروت عن طريق معبر ( جديدة يابوس ) على الحدود الفاصلة بين سوريا ولبنان وفي فندق الأرز الذي نزلت فيه توثقت العلاقة بيني وبين صاحبه الدرزي أبو معروف ..كنت اجلس عنده بعد العصر لاني وجدت فيه نفس شخصية ابي سمير صاحب الدكان القريب من بيتنا في غزة الوجه والعينيان والشارب الأسود الكث وحتى غطاء الرأس وكانت الأحوال في لبنان في تلك الأيام تشهد بين الفترة وأخرى بعض الاضطرابات على خلفية طائفية وحين حدثته عن احتفال عيد الميلاد المجيد الذي عايشته في قرية قطينة قبل أشهر في سياق التسامح والتعايش قال لي وهو يحرك حبات مسبحته السوداء الطويلة وقد أدرك ما كنت أفكر فيه حيث التنوع الديني والطائفي في بلاد الشام والمنطقة بأسرها : كلنا عرب ..كلنا شعب واحد يا أخي محمد .. عبارة لن أنساها ما زالت تحتفظ بها الذاكرة من أبي معروف اللبناني الدرزي وهو يلفظها بحماس واضح من بين شفتيه الرفيعتين اللتين يعلوهما شارب أسود كث وها أنا اعيدها واتلفظ بها الآن واترحم على تلك الفترة من الزمن الجميل حيث الصراع الدموي الذي يجري الآن بفعل انتعاش جماعات التكفير الظلامية في كثير من دول المنطقة ..صراع دموي بين الأديان والطوائف تغذيه قوى إقليمية ودولية بين مكونات الشعب العربي الواحد ؛؛ …