ثقافه وفكر حر
قصص من التاريخ
إن التاريخ ليس مجرد أقاصيص تحكى ، ولا هو مجرد تسجيل للوقائع والأحداث .. إنما يدرس للعبرة وللتربية .. تربية الأجيال .. (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) وكل أمة من الامم تعتبر درس التاريخ من دروس التربية للأمة ، فتصوغة بحيث يؤدي مهمة التربية في حياتنا ..
إن الذي يمد رجله .. لا يمد يده !!
قصة من قصص التاريخ الإسلامي تبين موقف العلماء الربانيين من السلاطين المتجبرين ، فما الذي جرى بين إبراهيم باشا والشيخ سعيد الحلبي ؟
دخل جبار الشام إبراهيم باشا بن محمد علي حاكم مصر المسجد الأموي في وقتٍ كان فيه عالم الشام الشيخ سعيد الحلبي يلقي درسًا في المصلين . ومرَّ إبراهيم باشا من جانب الشيخ، وكان مادًّا رجله فلم يحركها ، ولم يبدِّل جلسته . فاستاء إبراهيم باشا ، واغتاظ غيظًا شديدًا ، وخرج من المسجد ، وقد أضمر في نفسه شرًّا بالشيخ .
وما أن وصل قصره حتى حف به المنافقون من كل جانب ، يزينون له الفتك بالشيخ الذي تحدى جبروته وسلطانه ، وما زالوا يؤلبونه حتى أمر بإحضار الشيخ مكبلا بالسلاسل .
وما كاد الجند يتحركون لجلب الشيخ ، حتى عاد إبراهيم باشا فغيَّر رأيه ، فقد كان يعلم أن أي إساءة للشيخ ستفتح له أبوابًا من المشاكل لا قِبل له بإغلاقها .
وهداه تفكيره إلى طريقة أخرى ينتقم بها من الشيخ ، طريقة الإغراء بالمال ، فإذا قَبِله الشيخ فكأنه يضرب عصفورين بحجر واحد، يضمن ولاءه ، ويسقط هيبته في نفوس المسلمين ، فلا يبقى له تأثير عليهم .
وأسرع إبراهيم باشا فأرسل إلى الشيخ ألف ليرة ذهبية ، وهو مبلغ يسيل له اللعاب في تلك الأيام ، وطلب من وزيره أن يعطي المال للشيخ على مرأى ومسمع من تلامذته ومريديه .
وانطلق الوزير بالمال إلى المسجد ، واقترب من الشيخ وهو يلقي درسه ، فألقى السلام ، وقال للشيخ بصوت عالٍ سمعه كل من حول الشيخ : هذه ألف ليرة ذهبية ، يرى مولانا الباشا أن تستعين بها على أمرك .
فَنَظَر الشيخ نظرة إشفاق نحو الوزير، وقال له بهدوء وسكينة : ” يا بُنَيّ ، عُدْ بنقود سيدك وردها إليه ، وقُلْ له : إن الذي يمدُّ رجله ، لا يمد يده ” .