مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – السلسلة مكوّنة من إثنتي عشرة مقالة “الأزمات النفسية في العصر الحديث” (4)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
تشكل الصحة النفسية جانبًا أساسيًا من حياة الإنسان، حيث تؤثر على سلوكه وعلاقاته واتخاذه للقرارات، ومع تزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والتغيُّرات المتسارعة، أصبحت الحاجة إلى مصادر تهدئة النفس وإيجاد الطمأنينة أمرًا ضروريًا، وهنا يبرز دورُ العبادة كملاذ روحي يحقق التوازن الداخلي ويمنح الإنسان قدرة أكبر على مواجهة التحديات.
* أثر العبادة في تخفيف التوتر والقلق
تساعد العبادات المختلفة على تهدئة النفس وتقليل القلق، وذلك من خلال:
1- التأمل والخشوع:
فممارسة الصلاة، وقراءة القرآن، والتسبيح، والدعاء، جميعها تمثل أشكالًا من التأمل الروحي الذي يساهم في تخفيف التوتر والقلق، فالخشوع في الصلاة، مثلًا، يربط القلب بالله ويصرف الإنسان عن التفكير الزائد بالمشكلات اليومية، مما يخلق حالة من السكينة النفسية.
2- التنظيم اليومي للحياة:
العبادات المنتظمة، كالصلاة في أوقاتها، تمنح الإنسان شعورًا بالاستقرار والالتزام بنظام يومي يساعده في تقليل الشعور بالفوضى.
3- التواصل الروحي وتعزيز الثقة بالنفس
الإيمان بوجود قوة عليا ترعى الإنسان وتستجيب لدعائه يمنحه الطمأنينة والثقة بقدرة الله على تغيير الأحوال، كما أن اللجوء إلى الدعاء يعزز من الشعور بالأمل، مما يقلل من اليأس والاكتئاب. يقول تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28)، وهذه الآية تبرز أثر الذكر في تحقيق الطمأنينة النفسية.
4- المشاركة الاجتماعية ودعم المجتمع
التواصل مع الآخرين:
المساجد ودور العبادة ليست فقط أماكن للصلاة، بل هي بيئة اجتماعية يجد فيها الإنسان من يشاركه همومه، ويخفف عنه الأعباء، فالتفاعل الاجتماعي يخفف من الشعور بالعزلة ويعزز الروابط الاجتماعية، مما يحسن من الصحة النفسية.
5- العمل التطوعي والخيري:
وأعني به الانخراط في أنشطة دينية واجتماعية، مثل جمع الصدقات وتوزيعها للمحتاجين، يمنح الإنسان شعورًا بالإنجاز والقيمة الذاتية، مما ينعكس إيجابيًا على نفسيته.
* القيم الأخلاقية وتأثيرها على الاستقرار النفسي
العبادة تعزز القيم الأخلاقية مثل الصبر، والرضا، والتسامح، وهي قيَم تساهم في تقليل الصراعات الداخلية والضغوط النفسية، كما أن الإيمان بالقضاء والقدر يخفف من الإحباط، إذ يدرك الإنسان أن ما يصيبه مقدر له، مما يقلل من الشعور بالذنب أو الإحساس بالندم المفرط.
* ممارساتٌ عمليّة يمكنها أن تحسيدِّن الصحة النفسية عبر العبادة
1- المداومة على الأذكار اليومية:
كأذكار الصباح والمساء المأثورة والتي تحصّن النفس من المخاوف وتزيد من الثبات.
2- التدبر في القرآن الكريم:
قراءة القرآن الكريم والتأمل في معانيه والتدبّر فيها يعين على تهدئة النفس وتعزيز الأفكار الإيجابية.
3- قيام الليل:
وهو من أكثر العبادات التي تمنح الإنسان صفاءً نفسيًا، حيث إنها لحظات خاصة من الخلوة مع الله.
4- الصدقة وأعمال الخير:
فهي تخلق شعورًا بالسعادة والرضا الداخلي.
* وفي الختام
إن دَوْر العبادة في تحسين الصحة النفسية لا يقتصر فقط على الجانب الروحي، بل يمتد إلى توفير الدعم الاجتماعي، وتعزيز الثقة بالنفس، وتنمية القيَم الأخلاقية، وكلها عوامل تساعد الإنسان في العيش براحة وسلام داخلي، ولذلك فإن الالتزام بالعبادات والتفاعل الإيجابي مع المجتمع الديني والبيئة المحيطة يسهم في بناء شخصية متزنة قادرة على مواجهة تحديات الحياة بثبات وطمأنينة وكلّه بمشيئة الله تعالى.
* عنوان مقالتنا القادم بمشيئة الله تعالى: “الصبر والأمل: مفاتيح الثبات أمام الشدائد”
* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، وجمعة مباركة، ونسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا، وأن يُبرِم لهذه الأمة إبرام رشد.
* مقالة رقم: (1858)
01. شعبان . 1446هـ
الجمعة .31.01.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)