منوعات

العشاء الأخير”

في قرية بسيطة مدفونة تحت التلج، كانت عيلة ماتيو هريرا بتحاول تصارع الجوع وقسوة الليالي الباردة.
الأب ماتيو، نجار بس للأسف مبيجيلوش شغل، كان بيقضي أيامه يدور على شغل في كل مكان، ويرجع كل مرة من غير ما يعمل حاجه وعنيه مليانة خجل.
الأم روزا، كانت بتعمل المستحيل عشان تحاول تساعده عشان تأكل ولادها التلاتة:
إيميليو عنده 12 سنة، لآنا عندها 8، وتوماس الصغير عنده 5 سنين.
ومع إن الكريسماس كان بيقرب، مفيش أي حاجة تفرحهم، كانوا عايشين بقالهم أسابيع على فتافيت، والمطبخ فاضي زي بطنهم.


روزا كانت وعدت ولادها إن في الكريسماس هيكون فيه أكل، بس هي نفسها مكنتش عارفة إزاي.
ماتيو كان بيرجع كل ليلة يقول:
“يمكن بكرة ربنا يفرجها وألاقي شغل.”
لكن عمره ما كان بيقدر يبص في وش روزا، اللي كانت بتحاول تبان قوية قدام العيال، بس كانت بتعيط في هدوء من غير ما تظهر ده قدام أي حد من عيلتها.

في ليلة 24 ديسمبر، بدل ما ينوروا شجرة كريسماس أو يحطوا هدايا، ولعوا شمعة.
الترابيزة الخشب القديمة كان عليها مفرش مقطع ومتخيط كذا مرة، العيال كانوا قاعدين متكتفين عشان يتدفوا بسبب البرد، وبطنهم بتصرخ من الجوع.

همست روزا وهي بتحاول تقنع نفسها قبل ما تقنعهم.
“بكرة هيبقى أحسن”

في نص الليل، صوت خبط على الباب صحيت روزا.
قامت بهدوء خايفة تزعج العيال، ماتيو مشي وراها وهو ماسك سكينة قديمة يدافع بيها لو كان فيه خطر.

فتحت الباب، لقوا راجل طويل ولابس بالطو أسود، وشه كان شاحب وعنيه لونها متغيرة، ابتسامته كانت غريبة بالنسبالهم…
طيبة ومرعبة في نفس الوقت.

“مساء الخير”
قالها الراجل بصوت عميق وكأنه بيهز السكون حواليهم.
“سمعت إنكم محتاجين مساعدة.”

من غير ما يستنى رد، الراجل دخل البيت وهو شايل شوال كبير. حطه على الترابيزة وفتحه.
ريحة الأكل ملت المكان، حاجة العيلة منسيتش ريحتها من سنين: عيش، لحمة، فاكهة، وحلويات.

روزا وماتيو بصوا لبعض مستغربين، والراجل ابتسم وقال:

“أنا مش طالب منكم حاجه… بس نفسي أتعشى معاكم النهارده.”

الجوع غلب الخوف، فبدأوا يحضروا الأكل، والراجل قاعد في الركن يراقبهم، وشه مختفي تقريباً تحت نور الشمعة الخفيف.

العيال كانوا بيأكلوا بشراهة، الضحك كان مالي المكان، ودموع روزا نازلة من الفرحة، وماتيو مش عارف ازاي يشكر الراجل.
لكن الغريب ده، ولا لمس الأكل، كان قاعد ساكت وعنيه عليهم.

“ليه مش بتاكل يا عمو؟”
سألت لآنا وهي في قمة البراءة، ومعاها لقمة في بوقها.

الراجل مال عليها وقال بصوت هادي لكن كأنه بيتردد في الهوا:

“لإني خلاص… شبعت.”

في اللحظة دي، الشمعة نورها بدأ يتهز، وابتسامة الراجل بقت حاجة تانية…
ابتسامة مرعبة، بتخفي وراها أسنان حادة. روزا حست بقشعريرة، والجو فجأة بقى برد أكتر وكأن الحيطان بتقرب عليهم.

ماتيو صرخ فيه بصوت عالي وهو ليقوم يقف.
“إنت مين؟”

الراجل وقف هو كمان، شكله بقى أطول وهيبته أكبر.

“أنا اللي بيحقق الأمنيات، بس كل حاجة وليها تمن.”

فجأة، العيال بدأوا يكحوا جامد.
الأول إيميليو، بعده لآنا، وفي الآخر توماس الصغير.
روزا صرخت وحاولت تساعدهم، لكن فجأة جسمهم وقع على الأرض، مجرد جثه مفيهاش روح.
ماتيو جري عليهم، لكنه وقع على ركبته من الصدمة.

صرخت روزا الدموع بتنزل من عنيها جامد.
“إيه اللي عملته فيهم؟!”

“دول تمن أمنيتكم…”
قالها الغريب، بصوت مليان برود كأنه بيتكلم عن حاجة تافهة.
“جوعهم دلوقتي انتهي للأبد…”

قبل ما حد يرد، الراجل اختفى.
الشوال الفاضي كان لسه على الترابيزة، والأكل وكل حاجه موجودة اختفوا كأنهم مكنوش موجودين.

بعد أيام، الجيران دخلوا البيت كان عيلة ماتيو هريرا قاعدين حوالين الترابيزة.
ملامحهم لسه زي ما هيا كأنهم لسه ميتين حالاً، ووشوشهم بتعبر عن ألم وخوف مش مفهوم قبل الموت.
الأكل اللي في أطباقهم كان عليه تراب وعفن كأنه بقاله سنين.

“كريم محمد “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق