مكتبة الأدب العربي و العالمي
#قصة_مسعود _الجزء_الثالث
إستيقظ مسعود على صوت الخالة الرقيق الحنون وهي أعدت له فطائر بالجبن لكن حياته الآن يا خالتي أصبحت بالأبيض والأسود لن يميز حتى بين الجبن والزبدة وبين الصواب من الخطأ هل هكذا نحن الرجال حين نتعرض للخيانة بات يسأل نفسه مرارا حتى أوقفته الخالة : ماذا دهاك
قال ليلى يا خالتي خانت كل المشاعر بيننا
قالت من المخطئ منكما يا بني ؟
قال هي
قالت ولماذا تتحمل عبئ أخطاء غيرك يا بني أنظر يا ولدي الحياة التي لم تحكمها بالعقل ستكسرك بالعاطفة لا تكن جبانا من أجل أشخاص نكروا الجميل ونسوا كل شيء حياتك بين يديك وأنت تديرها كما تريد إما نحو النجاح أو نحو القاع
حلل كلام الخالة مرارا وتكرارا في ذهنه ثم حمل هاتفه وغادر البيت بسرعة لم يخبرها لماذا أو أين فقط غادر متجها نحو أماكن قد يصادف فيها ليلى مع حبيبها الجديد ليصفي حساباته ويرتاح باله الإنسان طبيعي حين يغضب يفكر في الإنتقام لكن حين يهدأ يكتشف أن أكبر انتقام له هو الصمت وترك القدر يتصرف كما أراد
وجد ليلى في مقهى شعبي مع ذلك الشاب هو يحتسي قهوة وهي تحتسي عصير الليمون يتحاوران ويشبكان إحدى يديها سعيدين جداا لم لا والحب في أوله يشعرك أنك فراشة حرة تحلق أينما أرادت لكن في الأخير يتركك بدون جناحين يبدع في تحطيمك كليا ثم يرحل عنك
فكر مسعود في أن يوقفهما ويتحدث مع الفتاة لكن لم يطعه ضميره أن يقطع سعادتهما
طلب الفتى قهوة من النادل بصوت مرتفع وهو جالس بطاولة بجواره ما سمعه النادل وقال حاضر سيدي سمعته ليلى أيضا وعرفت أنه هو من نبرة صوته وآستدارت نحوه إذ به جالس واضعا معطفه على الكرسي الآخر ويضحك بسبب شيء ما يشاهده في الهاتف
ضاقت ذرعا مما رأته وشعرت بإحباط وضجر قالت لصديقها أن يغادرا المكان ووافق اما الشاب فلم يلمس القهوة قط لأنها لم تكن تهمه لأول مرة شعر أنه يدفع فاتورة إزعاج أحدهم ليست فاتورة قهوة
مرت الأيام توفيت أم صديق ليلى في الصباح وهي ذاهبة لزيارته،وجدته جالسا جلوس المهزومين أمام البيت يبكي كطفل صغير غاضب حاولت أن تعمه بشيء من الهدوء لكنه رفض ولاح ببضع كلمات جارحة بحقها
لكنها لم تكترث حتى حضنته وبدأت تواسيه شاءت الأقدار أيضا أن تتذكر رحيل أمها وتتذكر مسعود الذي كان بجانبها في مثل ذلك الوقت وقدم لها كل ما لديه لتتجاوز رحيل الأم
شعرت بتأنيب ضمير شديد كادت ترفع يديها عن صديقها نبيل لم ينتهي تأنيب الضمير في هذا الحد بل جعلها تتساءل أيضا :كيف تحمل مسعود كلماتها تلك الايام وشرودها وكيف تقبلها رغم أنها كانت بتلك القسوة ؟
قام نبيل من مكانه يتشرف إلى داخل البيت محدثا ليلى :
سأسافر بعد أيام إلى أوروبا يا ليلى من الأحسن أن تنسي أمري وتكملي حياتك
قالت ماذا سأنسى يا نبيل بيننا حب و…
قاطعها بسخرية قائلا : حب هه تسلينا قليلا فقط منذ شهر وأنا لا تروقني فتيات بلادي تروقني أجنبية
دخل إلى البيت تاركا ليلى كأنها تحمل قبح العالم في عاتقها شعرت بأن الحياة انتهت أمامها وقامت مسرعة إلى منزل مسعود لعلها تجده لكنها لم تجد سوى قفل في باب البيت
يشرح لها أن جميع من في البيت رحلوا ولم يعد هناك وجود لأحد لم يكن لها إلا أن تلقي نفسها على أدراج أمامية البيت وتجهش بالبكاء
هذه هي الحياة تجعلك ترشف من الكأس الذي جعلت الناس يشربون منه إذا صدقت صدق الناس معك،إذا خنت خانك الناس حياة تصفي الحسابات بعدالة وندية
مرت سنتان على كل تلك الأحداث يعمل مسعود الآن طبيبا إختصاصيا في القلب وجراح ظهر بقوة في ساحة عمله،أخذ معه الخالة عائشة تسكن معه في منزله الكبير يملك سيارة باهضة الثمن وعملا مشرفا الآن ونسي وراءه كل تلك المعاناة والفقر
أما ليلى فأصبحت تعمل مديرة شركة في إحدى شركات أبيها رغم أنها درست الطب إلا أن الأقدار شاءت غير ذلك الغريب أنهما في نفس المدينة ولم يسبق لهما أن يلتقيا
عادت ليلى إلى البيت في إحدى الليالي ووجدت أباها جالسا على أريكة يشاهد التلفاز ويمسك بي جانبه الأيسر واضعا يده على قلبه حيته وجلست بقربه وشعرت بذهول من إهماله غالبا ما يسألها عن العمل لكن اليوم لم يقم بذلك ثم بادرت هي : أبي ماذا بك ؟
أجاب لا شيء يا بنتي أشعر بانقباض في قلبي فقط
شعرت ليلى بخوف شديد وعاتبته بشدة : ألم تزر الطبيب نعم نعم لم تفعل ذلك لم تكد تكمل كلماتها حتى فقط وعيه وأمسكت رأسه تحاول إيقاضه: أبي…أبي ثم إتصلت بالإسعاف
إنتظرت في باب العناية المشددة طويلا ثم لمحت طبيبا يسرع إلى الداخل أوقفته وحاولت أن تفهم منه ما يحدث لكن أحد الممرضين من ذلك ودخل الطبيب بسرعة جلست تبكي وتطلب الله أن ينقد والدها ويطيل لها في عمره
فجأة خرج الطبيب من العناية وتبعته حتى دخل مكتبه طرقت باب المكتب بعناية ورد عليها بالدخول
دخلت مصعوقة مما رأته إنه مسعود الذي خانته
حبيبها القديم الذي بحثت عنه طويلا نسيت أمر العناية وجلست كأنها روبوت وقالت : مرحبا يا دكتور
قال مرحبا يا آنسة أنت إبنة الرجل الذي في العناية ؟
قالت نعم إبنته إشرح لي الوضع رجاء
قال أحد الشرايين مغلق ويكاد لا يمرر الدماء بعد ساعات سنقوم بعملية جراحية ونأمل أن تنجح بإذن الله
أمسكت ليلى بيد مسعود ونزع يده منها بسرعة وقال هذا مستشفى يا آنسة ولا داعي لتقليل الأدب رجاء
نظرت إليه وعينيها ممتلئتان بالدموع وقالت : مسعود أنا ليلى حبيبتك وإن يكن يهمني عملي هنا يا آنسة رجاء أخرج من المكتب
خرجت ليلى من المكتب وجلست بكرسي أمامه تبكي وتنتظر موعد العملية أما مسعود فقد غير ثيابه وخرج من المستشفى وهرولت وراءه قائلة : ألست أنت من سيقوم بالعملية ؟
قال لا يا آنسة أحد الأطباء هم من يتكلفون ولست أنا
صرخت صراخا شديدا باسم مسعود وتوقف باستغراب وقفت أمامه وعينيها محمرتين من شده السهر ولم تأكل شيء منذ الليل
قالت مسعود رجاء قم أنت بالعملية أثق بك كثيرا وأعلم أنك ستبذل جهدا لتنقذ أبي يا آنسة أخبرتك أن العملية ليست في يدي الآن قمت بتخطيط القلب وبجميع اللوازم ليفهم الطبيب الآخر جيدا ماذا يفعل وهذا يكفي بالشفاء العاجل سلام
غادر مسعود المستشفى وهي عادت تنتظر حتى حان موعد العملية يشبه إنتظار نهاية مباراة كرة قدم أنت منتصر فيها بهدف واحد وتنتظر صافرة الحكم فقط تمر عليك الدقائق ثقيلة جد
جلست ليلى أمام قسم العمليات وهي تنظر إلى والدها يمر أمامها على فراش التمريض لم تكن قادرة على أن تقف وتودعه وداعا جزئيا شاهدت مصباحا أحمر مشتعل على أعلى باب القسم وبادرت بالدعاء.
مرت حوالي ربع ساعة وإحدى الممرضات خرجت مسرعة من القسم نحو الإدارة شعرت ليلى بقلبها كاد أن يتوقف متسائلة في ذهنها هل تركني
عن قصص وحكايات العالم الاخر