مقالات

رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية

– القيادة الإسلامية في زمن التغيّرات السريعة(2)
يعيش العالم في عصرٍ تتزايد فيه التحديات والأزمات بسرعة كبيرة على كافة الأصعدة: السياسية، والصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتربوية والثقافية، وفي خضمّ هذه التغيّرات، تظهر الحاجة إلى قيادة إسلامية رشيدة تستند إلى القيم والمبادئ الدينية، وتواكب متطلبات العصر الحديث، فالقيادة الإسلامية ليست مجرد توجيه ديني، بل هي دعامة حيوية تدعم المجتمعات بالاستقامة، والرحمة، والعدالة، مما يساعدها على اجتياز الأزمات والتكيف مع التحولات دون التفريط بالثوابت.
– القيم الإسلامية كدليل للقيادة الحكيمة
تقوم القيادة الإسلامية على قيم متجذرة في الشريعة الإسلامية، منها الصدق، والأمانة، والعدل، والتواضع، والشورى، فهذه القيم ليست نظريات فحسب، بل هي دليل عملي يساعد القادة على اتخاذ قرارات حكيمة تخدم مصلحة الأفراد والمجتمع في آن واحد. فعلى سبيل المثال، تُعد قيمة العدل حجر الأساس لضمان المساواة بين أفراد المجتمع، خاصة في الأوقات العصيبة، حيث يؤدي تطبيق العدل إلى تعزيز الثقة بين القائد وأفراد المجتمع ويمنع التمييز أو الظلم.
– الشورى وتقدير رأي الجماعة
من القيم الأساسية التي يركز عليها الإسلام في القيادة هي الشورى، وهي عملية التشاور مع الجماعة والاستماع إلى آرائهم قبل اتخاذ القرارات. في زمن الأزمات يعزز التشاور روح التعاون ويجعل القرارات أكثر شمولية وتعبيرًا عن تطلعات المجتمع المسلم، مما يسهم في تجنب القرارات الفردية التي قد تفتقر إلى وجهات النظر المختلفة، فالشورى تخلق بيئة من التفاهم والوحدة، وهو ما يعزز تماسك المجتمع أو الجماعة وتصبح قدرته على التصدي للتحديات المختلفة أكبر وأكثر قوة.
– المرونة والتكيّف مع المتغيرات
في عصر التغيرات المتسارعة، تحتاج القيادة الإسلامية إلى التحلي بالمرونة والقدرة على التكيف، مع الحفاظ على المبادئ والثوابت. وقد رأينا خلال أزمة جائحة كوفيد-19، كيف استخدمت القيادة الإسلامية المرونة في إصدار الفتاوى التي تراعي مصلحة الناس، مثل السماح بإقامة صلوات الجماعة في البيوت. تُظهر هذه المرونة كيف يمكن التكيّف مع المستجدات دون المساس بقيم الدين، مما يجعل القيادة الإسلامية متوافقة مع احتياجات العصر، ويُظهر صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.
– الرحمة والتكافل الاجتماعي في الأزمات
تتسم القيادة الإسلامية بالرحمة والتعاطف مع أفراد المجتمع، خاصة في أوقات الشدائد. في ظل الأزمات، يُصبح التكافل الاجتماعي ضرورة، ويبرز هنا دور القائد المسلم في تشجيع الناس على دعم بعضهم البعض، سواء من خلال الزكاة أو الصدقات أو المساعدات الطارئة، كالدور الذي تقوم به الحركة الإسلامية المباركة لمجتمعنا في زمن هذه الحرب المسعورة، فالتضامن والتكافل يُعززان من روح المجتمع ويمنعان تفشي الشعور بالضعف أو العزلة، ما يجعل الجميع في حالة من التعاون لتحقيق الاستقرار وتجاوز الأزمات.
– التوكل على الله والثقة بالمستقبل
يُعد التوكل على الله قيمة أساسية تُعزّز من قوة القائد، وتمنحه الثقة في اتخاذ القرارات الصعبة. التوكل هنا لا يعني التواكل أو عدم التخطيط، بل يُمثل قاعدة روحية تُحفّز القائد على العمل الجاد واتخاذ القرارات بروحٍ مطمئنة وثبات، مما يساعده على مواجهة الأزمات بتفاؤل وثقة، معتمدًا على أن النتائج النهائية بيد الله، وأن المسؤولية تتطلب من القائد الاجتهاد.

-خاتمة
تُعدّ القيادة الإسلامية القائمة على قيم الشورى، والعدل، والرحمة، ضرورةً في مواجهة تحديات العصر. فهذه القيَم تساعد القائد على اتخاذ قرارات تخدم مصلحة الجميع، وتُعزز من تماسك المجتمع ووحدته في ظل الأزمات. ومع تسارع التغيرات، تظل هذه القيم الإسلامية مرجعًا قويًا ومتينًا، حيث يمكن لقادة المسلمين أن يجدوا فيها نورًا يُرشدهم نحو قيادة حكيمة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتُساهم في بناء مجتمع متين قادر على مواجهة تحديات العصر بثقة وثبات. وأختتم هذه المقالة بقوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 105) وقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2).

-صباحكم طيب ونهاركم سعيد وآمن، ولنُكثر من الدعاء لتفريج الكروب وإخماد نار الحروب، ولا ننسَ الصلاة على خير مبعوث للعالمين، محمد ﷺ.
مقالة رقم: 1769
02 جمادى الأولى 1446هـ
الاثنين 04.11.2024 م
باحترام،
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق