مكتبة الأدب العربي و العالمي
الساحر / الجزء الأخير
ومنذ ذلك الحين لم يجرأ احد على الإقتراب من الساحر اثناء تجوّله بالسوق برفقه حارسه المخيف..
جاك : وهل كان هاورد عدائيّاً بالفعل ؟
– يبدو انه امتلك قلب امه الحنون ! فهو شعر بالحزن كلما فرّ الأطفال والنساء خوفاً من قناعه الخشن .. لهذا قرّر مواجهة سيده ، الذي لم يعرف يوماً إنه والده الحقيقيّ ..
– فرفض لبس القناع ثانيةً ، اليس كذلك ؟
الخبير : هذا صحيح ، مما أربك الساحر الخائف على حياته .. فنقع القناع بالسحر الأسود .. ثم وضعه على رأس ابنه النائم ، الذي استيقظ غاضباً .. وحاول نزع القناع بشتّى الطرق ، الا انه شعر بألمٍ شديد كأنه يسلخ جلد وجهه !
– فتوقف عن المقاومة ؟
– بالتأكيد !! فقد تلبّسه الشيطان الذي غيّر طباعه ، ليجعله أكثر عنفاً .. وكان اول ضحاياه : هو والده الذي خنقه بكلتا يديه ، إلى أن قضى عليه .. ثم قام بإحراق الكوخ بما فيه من اعمالٍ سحرية
جاك : واين عاش بعدها ؟
– إستوطن الغابة للتصدّي لجنود الملك الظالم .. وبذلك عُدّ مجرماً بنظر الدولة التي أعلنت عن جائزةٍ ضخمة لمن يدلّهم على مكانه .. وللأسف خانه احد افراد قريته ، طمعاً في المال .. وقُبض عليه اثناء نومه في الغابة .. وقد حضر الملك وحاشيته الى الساحة التي اكتظّت بسكّان القرى المتشوّقين لرؤية وجه بطلهم الحقيقيّ الذي أخفاه لسنوات خلف قناعه القبيح ، أثناء محاربته جنود الملك للدفاع عن حقوقهم ، مُعرّضاً نفسه للكثير من الجروح والآلام .. ورغم تقييّد يديه وقدميه بالسلاسل ، الا أن كل جندي حاول نزع قناعه ، أصيب بالصرع المفاجىء ، وأخذ يتلوّى بألم بعد تعرّضه للعنة السحريّة ! فأمر الملك (بإشارةٍ من يده) السيّاف بقطع رأسه .. ليشهق الجميع بعد رؤية رأسه يتدحرج فوق المنصّة الخشبية ، وينكشف وجهه البريء بعد سقوط قناعه أخيراً .. ليتسارع الناس بالبوح بالمعلومات التي يعرفونها للملك ..
# سيدي ، هذا خادم الساحر..
# بل هو ابن الفتاة المغتصبة ..
# يبدو أن الساحر سلّط لعنته على ابنه الوحيد !
وانتشرت الحادثة بينهم كالنار بالهشيم .. لكن القصة لم تنتهي بعد
جاك : وماذا حصل ايضاً ؟!
– أمر الملك السيّاف بإحضار قناع السفّاح الى قصره .. وهناك اعترى ابنه الشاب الفضول لتجربته ، فسرقه من خزانة والده .. ووضعه على رأسه
– لا تقلّ إن اللعنة السحريّة انتقلت اليه ؟
الخبير : يبدو ذلك ! فقد ذُكر بالكتاب التاريخيّ إن الأمير جنّ جنونه ، واقتحم غرفة والديه لذبحهما بالسيف اثناء نومهما .. قبل تمكّن الحرس من إيقافه ، بعد جرحه ذراع الوزير الذي أمر بإعدام الأمير الذي تسبّب بموت عدة حرّاس حاولوا نزع القناع عن وجهه بالقوة .. وبعد الإعدام ، حُفظ القناع في صندوقٍ زجاحي لقرونٍ عدة .. قبل وصوله للمزاد العلنيّ الذي فاز به والدك
جاك : ولما تظن ابي أخفى الكوخ عن امي ؟ فأنت صديقٌ قديم لوالدي ، ولابد انه أخبرك شيئاً عنه ؟
– إلتقيت به يوماً في البار ، وكان سكراناً ويشكو فقر حاله الذي أصابه منذ إقتنائه القناع الملعون .. ولم أفهم قصده ، الا بعد إرسالك الصورة إليّ
جاك : يبدو انه تشاءم منه بعد خسارة تجارته ، وأقفل كوخه نهائياً .. (وسكت قليلاً).. من الجيد إن اوراق الملكيّة ظلّت مع المحامي ، والاّ لما حصلت على بقية التحف الأثريّة .. (ثم تنهّد بضيق).. كل ما أخشاه أن تكون الخادمة الغبية جرّبت القناع المسحور
– إن كانت اللعنة أصابتها ، فسنعرف ذلك قريباً
وكان ظنّ الخبير في مكانه ، فقد تمّ القبض على الخادمة بصعوبة من قبل عشرات الشرطة بعد قتلها زوجة والدها وابنائها (إخوتها الغير أشقاء) .. كما أذت بعض افراد قريتها (الذين ضايقوها في حياتها) إمّا طعناً بالسكين او إحراق منازلهم !
ولم تستطع الشرطة إزالة قناعها في المركز ، بعد إصابة كل من حاول ذلك بصعقةٍ كهربائية فور مساسه !
واتصلوا بجاك الذي سارع الى هناك ، ليؤكّد لهم إنه قناع والده المسروق الذي أبلغ عنه قبل مدةٍ وجيزة ..
وحين أحضروا طبيباً لتخدير الخادمة الهائجة لسحب قناعها بالقوة ، فاجأتهم بقفزها من نافذة المركز باتجاه الوادي السحيق !
بعد دفن الخادمة ، أعادوا القناع الى صاحبه الذي وجدوه على مقربة من الجثة المُهشّمة ، سليماً وغير ممزّق او ملطّخاً بالدماء !
قبل يوم من بدء المزاد العلنيّ ، واثناء ترتيب جاك لتحفه الأثريّة في المتحف .. شعر بفضول لتجربة القناع ، رغم الإشاعات المخيفة حوله ..
فاقترب من مرآةٍ معلّقة على الحائط لرؤية نفسه وهو يلبس القناع ، الذي سرعان ما خرج منه دخاناً اسود ..
ليحصل له ، مثل ما أخبرتهم الخادمة قبل انتحارها !
وفي خُضمّ معاركه الوهميّة ضدّ جنود الملك ، صارع جاك للعودة الى زمنه الحاضر .. ليتذكّر أنه كان بيده خنجر والده الأثريّ ..
ومن دون تردّد ، غرز السكين في القناع ..مُحاولاً تمزيقه وإزالته عن وجهه ، بعد التصاقه بقوةٍ فيه ! غير آبهٍ بالألم الشديد اثناء تمريره السكين على طول جلد وجهه الجانبيّ ، وقطعه جزءاً من أذنه..
ليسقط القناع الممزّق على الأرض ، ويعود جاك للواقع بعد تلوّث قميصه بالدماء .. الاّ أن الدخان الأسود خرج من جديد ، ليحيط بالقناع .. ويخيط الجزء الممزّق منه ، لإعادته كما كان !
بينما سارع جاك الى المستشفى ، بعد تشوّه جزءاً كبيراً من وجهه
عندما زاره الخبير في المستشفى ، عاتبه على تجربة القناع المسحور .. فطلب منه جاك البحث عن عنوان مقبرة السفّاح (هاورد دون) الأثريّة ، دون إخباره السبب.. فوعده الخبير بذلك
بعد شفاء جاك ، ذهب مباشرةً الى قريةٍ ريفيّة بأطراف انجلترا .. وتسلّل الى المقبرة ، مُستغلاًّ إنشغال حارسها بجنازةٍ أخرى .. ليقوم بدفن القناع المسحور في قبر هاورد ، وهو يقول :
– إرقد بسلام ايها البطل المقنّع ، فلا ظلم بحقك بعد اليوم
ثم خرج باتجاه سيارة الأجرة المتوقفة خلف المقبرة التي أعادته الى محطّة القطار ، دون علمه بخروج دخانٍ اسودٍ كثيف من قبر هاورد ، أحاط بأهالي الجنازة المجاورة .. أدّى لتغيّر أعينهم الملوّنة الى عيونٍ سوداء حادّة ومرعبة ، وتحويلهم جميعاً الى سفّاحين دون حاجتهم للقناع المسحور الذي عاد أخيراً لصاحبه الذي لم يُشفى غليله بعد من البشريّة جمعاء !