مكتبة الأدب العربي و العالمي

قصة زيد الخير وسارق الابل

حكي الشيباني عن شيخ بني (عامر) قال : أصابتنا سنة مجدبة هلك فيها الزرع و الضرع ، فخرج رجل منها بعياله إلى (الحيرة) مدينة بالعراق ، و تركهم فيها ، و قال لهم : انتظروني هنا حتى أعود إليكم .
ثم أقسم ألا يرجع إليهم إلا إذا كسب لهم مالا أو يموت ، ثم تزود زادا و مشى سبع أيام حتى بلغ مكانا فيه مراح للإبل ، وبجانبه خباء عظيم فيه قبة من جلد تشير إلى الثراء والنعمة ، فقال الرجل في نفسه : لابد لهذا المراح من إبل ولابد لهذا الخباء من أهل ، ثم نظر في الخباء و كانت الشمس تدنو من المغيب فوجد شيخا كبيرا فانيا في وسطه ، فجلس خلفه وهو لا يشعر به .
و ماهو إلا قليل حتى غابت الشمس ، وأقبل فارس لم يرى قط فارس أعظم منه ولا أجسم ، قد امتطى صهوة جواد عال وحوله عبدان يمشيان عن يمينه وعن شماله ومعه نحو مائة من الإبل أمامها فحل كبير ، فبرك الفحل ، فبركت حوله النوق .
وهنا قال الفارس لأحد عبديه : احلب هذه وأشار إلى ناقة سمينة واسق الشيخ فحلب منها حتى ملئ اناء كبيرا يكفي ليشربه اربعة ، ووضعه بين يدي الشيخ و تنحى عنه ، فجرع منه الشيخ جرعة أو جرعتين وتركه ، قال الرجل : فدببت نحوه متخفيا ، و أخذت الإناء وشربت كل ما فيه فرجع العبد وأخذ الإناء وقال : يا مولاي لقد شربه كله .
ففرح الفارس وقال : احلب هذه و أشار إلي ناقة أخرى ووضع الإناء بين يدي الشيخ فجرع منه الشيخ جرعة واحدة و تركه ، فأخذته وشربت نصفه و كرهت أن آتي عليه كله حتى لا أسير الشك في نفس الفارس ، ثم أمر الفارس عبده الثاني أن يذبح شاة ، فذبحها ، فقام إليها الفارس وشوى للشيخ منها وأطعمه بيديه حتى إذا شبع جعل يأكل هو وعبداه وما هو إلا قليل حتي أخذ الجميع مضاجعهم و ناموا نوما عميقا له غطيط أى الصوت الصادر من النائم .
عند ذلك توجهت إلى الفحل وحللت عقاله وركبته ، فاندفع و تبعته الإبل ومشيت ليلتي ، فلما أسفر النهار نظرت في كل جهة فلم أر أحدا يتبعني فاندفعت في السير حتى تعالى النهار ، ثم التفت التفاتة فإذا أنا بشئ كأنه نسر أو طائر كبير ، فما زال يدنو مني حتى تبينته فإذا هو فارس على فرس ، ثم مازال يقبل علي حتى عرفت أنه صاحبي جاء ينشد إبله أى صاحب الإبل .
عند ذلك عقلت الفحل وأخرجت سهما من كنانتي ووضعته في قوسي وجعلت الإبل خلفي فوقف الفارس بعيدا ، وقال لي : احلل عقال الفحل ، فقلت : كلا لقد تركت ورائي نسوة جائعات ( بالحيرة ) وأقسمت ألا أرجع إليهن إلا معي مال أو أموت .
قال : إنك ميت ، احلل عقال الفحل لا أبا لك ( وهى كلمة المراد بها الشتم )
فقلت : لن أحله
فقال : ويحك إنك لمغرور ، ثم قال : دَلِّ زمام الفحل وكانت فيه ثلاث عقد ثم سألني في أي عقدة منها أريد أن يضع لي السهم فأشرت في الوسطى فرمي السهم فأدخله فيها حتى لكأنما وضعه بيديه ، ثم أصاب الثانية والثالثة .
عند ذلك أعدت سهمي إلى كنانتي ووقفت مستسلما فدنا مني وأخذ سيفي وقوسي ، وقال : اركب خلفي فركبت خلفه فقال : كيف تظن أني فاعل بك ؟
فقلت : أسوأ الظن
قال : و لم ؟
قلت : لما فعلته بك وما أنزلته بك من عناء وقد أظفرك الله بي .
فقال : أوتظن أني فاعل بك سوءا وقد شاركت (مهلهلا ) يعني أباه في شرابه وطعامه ونادمته تلك الليلة ، و هذا يعني ان الفارس فطن للص عندما شرب اللبن مع اباه لكنه تغافل عنه (و هكذا كانت اخلاق العرب وقد قيل لأعرابي من العاقل قال الفطن المتغافل)
فلما سمعت اسم مهلهل ، قلت : أزيد الخيل أنت ؟
قال : نعم
فقلت : كن خير آسر
فقال : لا بأس عليك ومضى إلى موضعه وقال : و الله لو كانت هذه الإبل لي لسلمتها إياك ولكنها لأخت من أخواتي .
فأقم عندنا أياما فإنى على وشك غارة قد أغنم منها وما هي إلا أيام ثلاثة حتى أغار علي بني ( نمير ) فغنم قريبا من مائة ناقة فأعطاني إياها كلها ، وبعث معي رجالا من عنده يحمونني حتي وصلت ( الحيرة )

تلك كانت صورة زيد الخيل في الجاهلية .و قد ادرك الاسلام و اسلم رضي الله عنه و سماه النبي صلى الله عليه وسلم بزيد الخير..

#إبراهيم_الجريري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق