مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية ولد التّاجر الذي باع أباه من الفولكلور التونسي انتقام الحفيد لجدّه (حلقة 4 والأخيرة )

إندهش الشّيخ من خسّة الزّوجة :وردّ عليه : قل لها :سأتصدّق به !!! فأجابه ستطلب منّي أن تفعل ذلك بنفسها، لتنال أجرا من الله ،تنهّد بهاء الدين، وقال : لقد أغلقت عليك باب الدنيا والآخرة ،و كتب علينا أن نعيش ذليلين، آه ،لو بقينا في بلادنا، لكان ذلك أهون ،ولمّا وصلنا إلى هذا الحال ،أجاب الإبن: لا فائدة في اللوم، لقد إشتريت لحافا جديدا للحصان، وسأحضر لك القديم ،هذا كلّ ما يمكنني فعله لك، ثمّ نادى ابنه الصّغير، وأمره بالذّهاب إلى الإسطبل ،وحمل اللحاف القديم لجدّه. دخل الولد ، وحمل اللحاف للبستان ، ثمّ أخذ سكّينا ،وقطعه إلى نصفين، وسلّم جدّه النصف ،وإحتفظ بالثاني . تعجّب جدّه، و سأله : لماذا فعلت ذلك أيها الشقيّ ؟ أجاب الحفيد : قطعتها، وانتهى الأمر !!! لكن الشيخ قال له : عجبا، ألم يأمرك أبوك بأن تسلّمها لي كاملة ؟ رد الحفيد : أرى أنّ النصف يكفيك !!! هزّ بهاء الدين رأسه وقال: هذا الولد أكثر لؤماً من أبيه !!! ثمّ ذهب إلى ابنه وقال: وهبتني اللحاف لكنّ ،الولد قطع نصفه، فقال محمود أحقّا فعل ذلك ،سأعرف كيف أعاقبه .
ثمّ إقترب من إبنه، وسأله:: ويحك !!! لماذا قطعت لحاف جدّك ؟ وما أنت فاعل بنصفه الثاني ؟ هيّا أخبرني بسرعة ؟ أجابه الولد : سأحتفظ به لك يا أبي!!! تعجب إبن التّاجر، وقال : لي أنا ؟ كيف ذلك ؟ قال الولد :نعم، حين تصبح عجوزا مثل جدّي سأطردكَ من داري ،وأمنحك نصف اللّحاف ، لكي تنام، وفي أنفك رائحة البهائم !!! صاح إبن التاجر ماذا ؟ تطردني؟ هذا ما تفكّر فيه ؟ قال الولد : سأعمل لك ما عملته لجدّي ،هذا هو العدل يا أبي ،أليس كذلك ؟ وقف إبن التّاجر مندهشا ،وأحسّ كأنّ غشاوة زالت عن عينيه، ثمّ جثى على ركبتيه باكيا ،و قبّل قدم أبيه ،وقال له : لقد أسأت في حقّك ،إغفر لي !!! اللعنة على من يأخذ بتدبير النّساء، ،ثمّ دخل المنزل ، واختار أحسن غرفة ،وقال :هذه لأبي ،ومن لم يعجبه ذلك، فليغادر المنزل !!!
إستحمّ الشيخ بهاء الدين وحلق شعره ،وتعطر ولبس ثيابا جديدة ،فإنتعشت روحه ،وقال له إبنه: سأزوّجك اليوم من أحد جواري بيتي ،وسأفتح لك دكانااملأه  لك بالبضائع ،وستعود سيّدا كما كنت ،فأنا أعرف قيمتك ،ونسبك ،ولن أترك أحدا يفرّق بيننا مرّة أخرى .في المساء دخلت بيّة ،فوجدت الشّيخ متصدّرا مع عروس جميلة من جواريها ،فأنكرت ذلك، وصاحت : ماذا يفعل هذا الشّيخ في بيتي ؟ هيّا أخرجوه من هنا . فلم يتحرّك أحد، لا العبيد، ولا زوجها ،قالت : حسنا سأرجع إلى دار أبي ،أجابها إبن التاجر ،سأرمي بملابسك في الشارع، ولن ترجعي إلى هنا !!! وأتزوّج اليوم من أحد الجواري ،وسيبقى إبني معي ،فهو ليس منكم ِ!!!
جزعت المرأة لما رأت الولد يجلس في حضن جدّه ،فغضبت، وإقتربت من الباب لكي تخرج ،وهي تنتظر أن يقوم زوجها ،ويمنعها ،لكنه لم يعبأ بها ،فزاد غيضها ،وقالت في نفسها: ماذا حدث له ؟ بعد أن كان يجري لإرضائي صار يترفّع عنّي ،هل نسي من أنا ؟ ولما ذهبت لبيت أبيها الحاج عبد الرحمان واشتكت له ما فعله معها زوجها، فلامها على صنيعها ،وقال لها :إرجعي إلى بيتك فوالله لقد أحسن زوجك فعلا، وزادت مكانته عندي ،فأجابته لكنه لن يحترمني بعد الآن ،فردّ : الأحسن أن يكون شعورا حقيقيا ،وليس مداراة لك ، ثم فكّرت ، فلقد كان أبوها على حقّ،ثم رجعت لدارها ، وإعتذرت من للشيخ بهاء الدين: وقالت لزوجها : الآن عرفت قيمتكم ،فمن لا يحسن إلى أبيه ،وأمّه لا خير فيه ،وسمع أهل المدينة بتلك الحكاية ،وبزواج بهاء الدين، فجاءوا وهنّئوه ،ومنذ ذلك اليوم يعتبرونه أحد أعيانهم .

بقلم :رانيا بطرس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق