مكتبة الأدب العربي و العالمي
قعادة_زاج_وقعادة_زجاج الجزء الثاني النّخلة العجيبة قرب البئر….
#وكانت لبنى في بداية الأمر تتألّم من اصغاء أخيها إلى وشايات زوجته ،وتصديق ما يقوله عنها ، ومع ذلك يكفي أن يلاطفها حتى تنسى قسوته وتوبيخه ، لكنّها الآن صارت لا تجد سوى الكراهية ،وتعيش في جوّ معاد لها واختفت ابتسامة اخيها ورقّته ، وإذا صادف، ووقع نظره عليها فلكي ينهرها ويسبّها .فانطوت على نفسها ،واستسلمت لقدرها ،وبدأ جسمها في النحول ،وانقطعت شهيتها للأكل. ولما لاحظت زوجة أخيها ما آلت إليه صحتها قالت له: الآن تأكد لي أن اختك حامل.سألها بحدة وكيف عرفتِ ذلك؟ أجابته نحن النساء نعرف ظواهر الحمل وأعراضه ، وأختك بدأت تشمئزّ من الروائح خاصة رائحة القدر التي أطبخها ، ألا تلاحظ أنها لا تأكل إلا ما يسد رمقها ؟ سألها: وما العمل إن كان كلامك صحيحا ؟ :أجابته لا تخش شيئا . سأعمل على إجهاضها والتخلص من الجنين ، وعليك أنت أن تتدبّر أمرها .
صمت مسعود والكآبة تملأ نفسه ، وبقى يعيش في همّ وخوف من الفضيحة التي ستجرها عليه أخته ، وبدأ قلبه يقسو عليها ،وفي الأخير اقتنع أن عليه التخلص من أخته قبل أن يشتهر خبرها في القرية ،أدركت الزوجة أن الظروف صارت ملائمة لتنفيذ مكيدتها وذات يوم أحضرت عظاية من الصحراء وسلخت جلدها ولفت لحمها في قطعة قماش ، وعندما عاد زوجها من عمله حملت العظاية الملفوفة وقربتها منه وقالت له:هذا ثمرة غرامها والحمد لله تخلصنا منه قبل أن يكبر، وإلا لكانت الفضيحة .لم يشكّ الفتى في أنّ زوجته تقول الحقيقة ،فأخذ لفافة القماش من يديها إلى خارج القرية، وقام بدفنها ،وعاد إلى البيت يبحث عن أخته التي كانت شاحبة الوجه من الحزن وقلّة الأكل، وما أن شاهدها حتى ظن أنّ شحوبها هو بسبب الإجهاض، فأمسك برقبتها ،وخنقها، وهي مستسلمة له لأنها ستجد الراحة من هذه الحياة التعيسة ،وتلتحق بأبويها اللذان تفتقدهما كثيرا. ثم حملها فوق ظهره وحفر لها حفرة قرب البئر التي في مدخل القرية ،ودفنها هناك ،ثم عاد إلى بيته كأنّ شيئا لم يحدث، فأستقبلته زوجته بفرح بعد أن تخلّصت من أخته ،وصارت الدّار الكبيرة لها وحدها ،وكل يوم تأتي عائلتها للأكل والشرب ،ومسعود ينفق عليهم دون أن يتذمّر ،وكلما أبدى إمتعاضه ،ذكرته بالمعروف الذي قدمته له .
ماهي إلا أيام حتى نبت على قبر لبنى نخلة صغيرة ،أخذت تنمو وتكبر ،وبدأت العصافير تأتي وتغرد بصوت جميل. كانت نساء القرية قد اعتدن على التّجمع عند البئر ،يغسلن ملابسهن من مائها ،ثمّ ينشرنها على الاحجار لتجفّ ،فلم يكن هناك شجر، لكن النخلة بعدما كبرت،واستطال جذعها صارت تحني لهنّ حتى يلامس رأسها الأرض فينشرن الملابس على أوراقها ،ويجلسن للحديث وشرب الشاي، وتبقى النخلة منحنية حتى تجف الملابس وتأخذها النساء ،وبعدها ترفع رأسها فيستقيم جذعها وتعود إلى هيئتها. إستمرّت النّخلة تحني جذعها للنساء لينشرن الملابس عليها يوميا ،وذات صباح جاءت زوجة مسعود لتغسل ملابسها ،فابتل ثوبها بالماء ،والتفتت حولها فلم تر أحدا ، فنزعت ما عليها من ثياب، ونشرتهم على النخلة التي أحنت لها جذعها ،وما أن وضعت ملابسها حتى رفعت رأسها بكلّ ما عليه ،وبقيت المرأة شبة عارية في إنتظار أن تنحني النخلة مرّة ثانية لتأخذ ملابسها .
ولكن النخلة بقيت على حالها لم تتحرك ،والملابس على رأسها ،والمرأة عارية تحتها عرضة لعيون المارة لا تجد ما تستر به عورتها، فاختفت وراء الجذع ،وفجأة سمعت ضحكة ،وخيّل إليها أنّ النخلة تسخر منها وكذلك العصافير التي توقّفت عن الغناء ،وأخذت تنظر إيها بعيونها الصّغيرة المستديرة …
من قصص حكايات العالم الاخر
…
يتبع الحلقة 3