مقالات
كتب الدكتور سمير محمد ايوب الجدل العربي – الايراني الى اين ؟! أضاءة على المشاهد في فلسطيننا
بموضوعية، أحسب نفسي على فسطاط الحق العادل، ضد الظلم مهما كانت عباءاته. في ظل هذا الاعتقاد، أسأل أمة بات الكثير من الامم يضحكون عليها: إن لم يكن إغتصاب فلسطين شرا كله، ما الشر إذن؟! واذا لم تكن الابادة الجماعية لاهلها وتدمير كل اسباب حياتهم، أبشع انواع الظلم فما الظلم إذن؟ أما النذالة فهي عدم التفرقة المقصودة بين الخير والشر، والأنذل فهوالمتخلي متعمدا عن مناصرة أهله، وهم يواجهون هذا الكم غير المسبوق، من الشرور والظلم والنذالة. ومصدوم حد الفاجعة، من كل من تمسك بالشر وناصر الظلم، وتحالف مع أعدائه وشاركهم البطش باهله، فقط لانه يمقت أنصارأهله ومن يدعم حربهم العادلة لتحرير بلادهم من مغتصبيها ومغتصبيهم.
افيدونا يا دهاقنة عدم التمييز المتعمد بين عدو بيِّنٍ وصديق أوضح، يا تجار التبرير الممجوج، إن كنتم قد وقعتكم في كارثة اخلاقية وطنية، ام في الطريق الى ان تصيروا مخلوقاتٍ تعيش خارج منظومات الاخوة السوية، والمصير العربي المشترك، والجيرة الراشدة؟
المنازلة الكبرى مع معسكر الاعداء تقترب، والطريق اليها يشهد تصعيدات واختبارات متبادلة. يكثرفي سياقها، محاولات إسرا – ئيلية لتوريط امريكا في مواجهات عسكرية شمولية مباشرة مع ايران، كان أخطرها، ذاك التطاول الاسرا – ئيلي البشع على سفارة ايران في دمشق، والانتقام الايراني الذي جاء كثيفا في الشكل، ناعما في الواقع، ومثيرا في تفاصيل مجرياته وتبعاته الكاشفة.
على وقع تلك الصواريخ الايرانية، تم تظهير عدة حقائق، منها:
# لم تعد اسرا – ئيل رغم كل تحالفاتها الرجراجة مع بعض عرب السنة، قادرة لوحدها على شن حرب استباقية متى ارادت. فقد فهمت مكامن ضعفها.
# وفي الوقت نفسه، فإن ايران ومحور المقاومة المقيم على حواف الجولان وجنوب لبنان، قد فهموا ،مكامن قوتهم المتوفرة بكثرة بين ايديهم، فهي قوة تمكنهم متى ارادوا وبالكيفية التي يريدون، من الوصول بيسرالى حيفا وما بعد بعد ديمونا.
# تمت اصطفافات رمادية، وانفضحت تحالفات ومشاركات غير محايدة، من خلفِها غَرْبٌ سياسيٌّ مُتهالك، ومن أمامها شرقٌ ناهض. وفي ظل هذا الجدل بين ما في الخلف وما في الأمام، إندفعت العلاقات العربية الايرانية إلى صدارة المشهد، وانكشف الغطاء عن علاقات وتحالفات ومشاركات عربية مع معسكر الاعداء الصهيوامريكي وادواته واهدافه ومواقيته.
# إندفاع بعض العرب، للمشاركة في التصدي للصواريخ الايرانية، أثار ردود فعل متنوعة، الفكرة الاساسية الكامنة في جلِّها السفيه، غلٌّ مذهبي تارة، وتيه عرقي تارة اخرى، ووقائع مزورة او مجتزأة من التاريخ تارة ثالثة، وتارة رابعة قلق من قوة ايران التي تتعاظم، وهياكل قوة عربية تتفسخ وتتآكل، وولاء ضعيف للاطر العربية المشتركة.
# في ظل اتفاقيات غصن الزيتون العاهر، وما قبلها أو ما تلاها، كثرة هم المخلصون العاملون على بناء قِوانا الذاتية بالمعاصرة، لذا اجد من الحكمة تذكير المطبعين الراغبين في إعادة علاقة أمتنا الاصيلة، مع جارتنا الابدية الأصيلة هي الاخرى، ايران المتكئة على الاف السنين من حضارات سادت فيها وما تزال، الى مستنقعات المربع المذهبي الاول: بأن واحدكم الآن، إنْ أهان إسرا – ئيل ولو بكلمة ملساء، أو صفَعها بوردة ناعمة، لا يدري من أين تُكال له التهم أو أكثر قليلا او حتى كثيرا. فقد بات من شروط المواطنة الصالحة بعد تلك الاتفاقات، إجادة كلّ أشكال الصبرعلى مهانات الاغتصاب ايا كان، ومهما استفحل في السراو في العلن. وصار من أولويات الكثير من ولاة الامور، ضبط وقع أقدام الناس في الميادين، مع وضع يد ثقيلة على توجعاتهم صونا للعرض، وبالطبع يُستَحبُّ النق والدعاء والبسملة والحوقلة وتقبل التعازي واقامة اللطميات.
# في ظل كل هذا والكثير من امثاله، تم في مراسم احتفائية غير عاقلة ولا حكيمة، زج إسرا – ئيل في نسيج المنطقة.
# وتبعا لكل مقتضيات فضائح التطبيع الرخيص، تراجعت صناعة الابداع النضالي العربي في فلسطين، وتخثر الوعي العربي الجمعي، وشاع الوهن كالوباء في دهاليز العمل العربي. وعلى الضفة الاخرى لهذا الوهن، ساد بين فرسان التغيير، اقتناع بان امة كأمتنا، لا يمكن لإرادتها الشعبية، ان تنحدر الى هذا الحضيض المعيب. فتقدم الصفوف رواد التحرير، لزعزعة الواقع المسترخي مع العدو، ونحت واقع جديد، يمكنهم بالاستعداد الصابر المتقن، من مواجهة تحديات كل ما له علاقة بيوميات الصراع الوجودي مع العدو وحلفائه في المنطقة. والانطلاق بجدية في البناء من عليه من جديد.
وهنا لا بد من التذكير بدور دهاقنة سايكس وبيكو، في الانحطاط القطري والطائفي والمذهبي في المنطقة. ففي ظلاله تم بالجبر وبالتراضي استيلاد نخب بلا مؤهلات، تم تنصيبها على تلك المحميات بلا ارادات حرة، تم في ظلهم تكثير مناخات تهيمن عليها مذهبية عابثة، وجهويات ممعنة في الضيق، ومصالح عنصرية، تردت في كنفها كلها، الكثير من ألاسباب المادية للحياة الكريمة.
فالاصل في معسكر الاعداء الصهيو امريكي، وما فيه من أشباه وظلال ، أنهم حواة اللعب على خرافات العصب المذهبي المتورم اصلا منذ القدم. ومحاولة مقايضة العداء لإسرا – ئيل بالعداء لايران. ففي تلك المجاميع واشباههم وظلالهم، الاضافة الى امبراطورية البحرين العظمى، الكثير من بسطات يفوح من عباءاتها المقصبة وعُقُلِها المذهبة، نفط وغاز وزفت وكاز، ودكاكين مثقلة بالملح والقلق، تلك مجاميع تظن انها مؤهلة لغزو ارعن، لبرِّ وسماء وبحر البوابة الشرقية لامة العرب، إيران الجارالابدي، وأنهم في ايران، يرتجفون خوفا منهم او من أربابهم!!!
صحيح ان الاساطير تُسلِّي تماما كالخرافات، لكن الحروب المعاصرة ليست أساطيرا ولا خرافات، بل تاريخ يَروي بأريحية، ان الجيران الايرانيين، كانوا هم اول من طرد سفيرا لإسرا – ئيل في المنطقة، وسلم مبنى السفارة الاسرا – ئيلية في طهران، الى الفلسطي – نيين الذين اسسوا اول سفارة لهم هناك.
مزاج الشارع العربي ليس محايدا على الاطلاق ولن يكون، فهو متعاطف بأغلبيته مع فلس – طين قضية العرب الاولى. وان سُمِح له فهو منحاز بالكامل لكل من ينصرها، ويمقت عهر كل متاجر بها. وعليه، إفهموا أن تقليص نفوذ إيران في المنطقة، لن يمرعبرمهادنة اسرا – ئيل، بل عبرفعل سياسي عربي فاعل، يجعل من الدور الإيراني قيمة مضافة للفعل العربي المخلص والموحد. وهذا للاسف غير حاصل حتى الان، بل ما جرى للصواريخ الايرانية تلك الليلة المباركة كشف العكس!
وأخيرا نؤكد لكل مخلص يريد ان يعي الحقائق كما هي، أننا نرى ان العمل لفلس – طين لا يجوز له ان يكون انحيازا لإيران ولا لضدها، لا باسم الشيعة ولا باسم السنة ولا تحت أي مسمى آخر. الانحياز الوحيد فيه هو للانسان، وهو اليوم فلس – طيني بامتياز، وهذا الانحياز كان وسيكون المعيار الوحيد، كي يُبنى على الشيء مقتضاه. فلسطيننا برمتها، رغم انف كل زاحف ومتوطىء، وكل من اضاع بوصلته، ماضية بمشروع تحريرها الاصيل، والتي باتت بفضل الصفحة الاولى من طوفان غزة العزة، منتشرة في كل مكان، وتنتظر جوائز المناضلين الأحرار.
العالم يتغيَّر، وعصرجديد يلوح امامنا، نسأل في وهج المعارك المتصلة للممانعين والمقاومين ماذا بعد؟ وقد تعرفنا مطولا على أهلنا الجبارين وعلى ابطالنا في كل الميادين ، علينا الاختيار بين الهمجية الصهيو – امريكية واتباعها ، وبين من يتجرأ على تلقين مَنْ هُمْ في خنادق العدو مَوتَهم. وعليه فإن الاصطفاف مع العدو ورفع راياته، مهما كانت الاهواء العابرة، ومهما تعمق او تعفن الغل المذهبي هو ام الشرور. ولا يروج له الا سفيه لا يفرق بين ما يضر وما ينفع.
للمصطفين وللمروجين وللمبررين نقول: موتوا بغيظكم، فالاحتلال لن يبقى، ودماؤنا ستبقى تطاردكم كاللعنة.
الاردن – 21/4/2024