مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #موحا_والوسادة_العجيبة الجزء الاول
كان ياما كان، في قديم الزّمان، ولا يحلو الكلام إلا بذكر النّبي العدنان ولد يتيم اسمه موحا يعش مع أمّه في مدينة جنوب المغرب إسمها رودانة.، وقبل أن يموت أبوه ترك دكّانا يبيع العطور، ونصحته أمّه أن يخرج للعمل ويكسب رزقه من التّجارة، لكنه كان يحبّ الأكل والرّاحة، وقال لها أنه لن يفني حياته بين أربعة حيطان ،وبدأت المرأة ببيع البضاعة، ثمّ الدّكان، ولمّا نفذ المال باعت أثاث البيت، حتى لم يبق لديها سوى حصيرة، وقدر تطبخ عليه طعامها ،ووسادة قديمة، قال لها زوجها أنّ بها سرّا عجيبا.وضاقت الحال على موحا وأمّه ، ونفذت المؤونة في الدّهليز ،فلم يجد الولد بدّا من الخروج للعمل ، لأوّل مرة في حياته ،ودار على الدّكاكين في السّوق ،وهو يتوسّل للتّجار ليشتغل بالثّمن الذي يرضيهم ،لكن لم يقبله أحد .فصادفه أحد جيرانه ،وأشفق عليه لصغر سنّه ،ثم قال :له أنا بنّاء، وتعال معي لأعلّمك الصّنعة ،ثم أخذه لدار فاشتغل معه طول النهار،وأعطاه خمسة دراهم ،ففرح موحا واشترى طعاما ،ثمّ تعشى مع أمه وهو يحسّ بأنها ألذّ لقمة أكلها في حياته .
ومن شدّة التعب إستلقى على الحصيرة ،ونام ملئ جفونه ،و حلم أنه يجلس على مائدة عليها أصناف الأسماك المشويّة ،وقواقع البحر ،والجواري حوله يسقينه شراب الورد ،ويغنّين له فلمّا إستيقظ قال في نفسه :يا له من حلم غريب ،في الصباح نهض باكرا ،ثم توكّل على الله ،وبدأ يطوف في الأزقّة وينادي بأنه بنّاء، فأطلّ شيخ من أحد البيوت ،وقال له :في الدّار شقوق في الحيطان يدخل منها البرد، فيأذينا ،وأريدك أن تصلحها فشمّر موحا عن ذراعيه ،وبدأ يعمل بجد ،ولمّا وصل للغرفة الأخيرة ، وقف مدهوشا فقد كان السّرير مقلوبا ،وهناك فتاة على الأرض ،فقال لصاحب الدّار :كيف تتركها على هذه الحالة ؟ ضع لها زربيّة أو حصيرة ،أجاب :الشّيخ :إنها إبنتي الوحيدة خضرة وهي كسيحة ،ولقد رضيت بما اختاره القدر، ولم تشتك يوما،وبسبب فقري فأنا لا أقدر على توفير كلّ ما تحتاج إليه .
اقترب موحا من الفتاة ليساعدها على النهوض ،فإذا بها أجمل من البدر، عيناها عسل مصفّى ،وشعرها أسود طويل ينسدل على كتفيها أربعة ضفائر ،فأسرته بجمالها رغم أنّها كسيحة لا تتحرك، ووقع في غرامها ، فأصلح لها السرير ،وحملها بين ذراعيه ثم وضعها عليه ،أما البنت فابتسمت له ،فأحسّ بقلبه يخفق بين أضلاعه ،ثم سدّ الحائط ،ورفض أن يأخذ أجرا على عمله ،فشكره الشيخ،و عاد موحا إلى دارهم على بساط من الرّيح، فالفتاة الكسيحة شغلته بجمالها ورق ّلحالها، وتمنّى لو يستطيع مساعدتها وشفاءها ،وفكّر في حيلة ليعود لرؤيتها ،فهو يعلم أنها أيضا تحبّه .
ولأنّه كان متعبا فقد غلبه النوم، ولشدّة انبهاره بخضْرة فقد رآها في منامه في بستان بين جبلين، تحاول الوقوف ،فتسقط ،ثم جلست حزينة وبدأت تقطف الأقحوان والزّعفران ،وسال الرّحيق بين أصابعها ،فدهنت ساقيها ،ثم إستندت لجذع شجرة ،ووقفت . في هذه اللحظة إستسقظ موحا ،وتعجّب من هذه الأحلام ،فهي تكاد تكون حقيقة ،وهو لا يزال يحسّ برائحة الأزهار حوله ،وفرح لأنّه عرف الدّواء لكن الحلم إنتهى قبل أن يعرف مكان ذلك البستان ،وفهم أنّ تلك الوسادة تجعله يحلم بما يخالج قلبه ،ويشتهيه خاطره ،ولهذا السّبب أوصى أبوه بالحفاظ عليها رغم أنّها مهترئة ،لكنّه تساءل لماذا لم تأتيه تلك الأحلام الجميلة من قبل؟ فلقد أضطرّ لوضعها تحت رأسه ،بعد أن باعت أمّه الأسرّة وحتى الوسائد، لكنّه فكّر دون أن يهتدي لحلّ. و مع صياح الديكة في الفجر، أسرع موحا لبيت الشّيخ محمّد ليسوق له الخبر. فمن شدّة فرحه لم ينتظر حتى طلوع الشمس ..
…
يتبع الحلقة 2
من قصص حكايا العالم الاخر