مكتبة الأدب العربي و العالمي
أونامير_والحورية الجزء الثاني
صار أونامير يمضي معظم وقته في القصر، فقد كان خربا، وفي حاجة إلى كثير من التّرميم ،ولا يرجع لدارهم إلا في الليل ،فيتعشّى وينام ،وفي الصّباح يخرج بعد أن يحمل طعاما للحورية ،أمّا أمّه فلا تسأله عن سبب غيابه ،فهو لم يعد صغيرا لتخاف عليه .وذات يوم بينما هو يصلح أحد الحيطان عثر على جرّة مليئة بالفضّة ،ففرح، ونزل للسّوق فاشترى قطيعا من الغنم، وملابس جديدة لزوجته ، وقال لها: لقد جئت ،ومعك السّعد،ولن أخشى الفقر بعد الآن ،وكلما رجع إلى أمّه أحضر لها قفّة عامرة ،وأخبرها أنّه رزق من الله ،فكانت تدعو له بالخير .مضت الأيّام ،وتساءلت جاراتها عن سرّ إختفاء أونامير طول النّهار، والرّجوع بكلّ ما تشتهيه النّفس من الأكل والثّياب . فأرسلن وراءه أحد الصّبيان ليعرفن أين يذهب كلّ صباح ،ورآه يمشي في إتّجاه القصر المهجور ،وسمعت أمّه بالحكاية ،ولمّا رجع تلك الليلة لامته عن إهماله للدّروس في المسجد، فأجابها أنّه لم يعد يطيق حياة الفقر ،ويريد كسب رزقه ،وأنّ حلقة الشّيخ لم تعد تهمّه .
بقيت المرأة طول الليل تفكّر في السّبب الذي جعل إبنها الخجول يتغيّر فجأة،و قالت في نفسها :لا بدّ أن أدخل ذلك القصر ،وأرى ماذا يفعل ذلك الولد الشّقي هناك !!! وكان من عادة أونامير أنّه إذا خرج أخفى المفتاح تحت حجرة ،وفي الصّباح إنتظرت المرأة حتى ذهب إبنها للمرعى ،ثم إقتربت من باب القصر ،وحاولت فتحه، لكنّه كان مغلقا بالمفتاح ،فأخذت تدور لعلّها تجد مدخلا آخر، لكن فجأة تسلّل ثعبان من أحد الشّقوق، وقال لها :لقد حاول إبنك قتلى، ولذلك سأدّلك على مكان المفتاح ،أرأيت ذلك الحجر ؟ أدخلي يدك تحته، وستجدينه هناك .
سمعت المرأة كلام الثعبان ،وبعد دقائق كانت تدير المفتاح في القفل ،فانفتح الباب محدثا صريرا عاليا ،ولمّا دخلت الرّواق وجدت غرفة مغلقة ،ولمّا فتحتها، تعجّبت لوجود باب ثان ،وكلّما فتحت بابا وجدت آخر، وواصلت ذلك حتى وجدت نفسها أمام الباب السّابع ،فتردّدت قليلا ،لكن تملّكها الفضول ،وما أن دفعته برفق حتى رأت بنتا شقراء جالسة أمام المرآة ،تمشط شعرها الطويل ،فإندهشت أمّ أونامير من شدّة جمالها ،وقالت :ويحه ،هذه ليست من بنات الإنس ،وهي لا تأكل سوى أطيب الطعام ،ولا تحبّ إلا أرغد العيش ،وعوضا أن يصبح إبني معلّما أتباهى به أمام الجيران سيتعب ،ويشقى لإرضائها ،ثمّ إقتربت منها ،ولم تتردّد في إطلاق لسانها بالسّب والشّتم ،وإتّهامها بسحر إبنها ،والقدوم به إلى هذا المكان الموحش الذي ينعق فيه البوم ،و حذرتها إن لم تبتعد عن إبنها، لضربتها بقسوة ،وشدّت شعرها،ثمّ خرجت ،وهي تلوّح بيدها، وتتوعّدها بالإنتقام .
بقيت الحورية تبكي ثمّ غطّت رأسها ،وفتحت النافذة وبعد ذلك جرت حتى الغابة .بعد ساعتين رجع أونامير يحمل لحم غزال، وصاع كسكسي لتطبخ إمرأته الطعام ،فوجد غرفتها فارغة ،فدار في القصر، وناداها لكن ليس من مجيب. ولما إلتفت رأى رسالة تلومه فيها على عدم الإحتفاظ بالمفتاح معه ،وقبح لسان أمّه التي أشبعتها سبّا ،وإن كان لا يزال راغبا فيها فعليه أن يأتيها لقمّة الجبل، ودونه أهوال وأغوال .أمّا أونامير،فتحامل على نفسه ،ورجع لأمّه وهو في حالة يرثى لها ،وقال لها :أنا هالك لا محالة ، فتلك الحورية تجعلني أحيا،و سأموت حسرة وكمدا عليها ،فردّت عليه: إنّها ليست من جنسنا !!! وأنا أخاف أن تبعدك عنّي ،وإذا كنت تريد زوجة ،فسأخطب لك زهيّة بنت التّاجر قاسم أجمل بنات القرية ،وأبوها من من الأعيان ،وسيعطيكما دارا تعيشان فيها،لكن أونامير إستلقى على فراشه ،وبدأ يبكي ،ويصيح حتى أشفقت أمّه عليه ،وشعرت بالنّدم على ما فعلته ،فقد كان سعيدا ،وواثقا من نفسه ،أمّا الآن فحاله صار لا يعجب أحدا .
نام الفتى طول النّهار، ولمّا إستيقظ سأل عن الحورية ،فلم يصدّق أنّها ذهبت دون رجعة، وفي الليل كان يسهر أمام النّافذة لعلّها تأتي ،ومرّت الأيّام، ولم تزد حالته إلا سوءا ،وتوقّف عن الطّعام والشّراب ،أمّا أمّه ،فدارت على العرّافين والمشعوذين، وكلّ واحد يقول لها شيئا حتى دلّها النّاس على شيخ أبيض اللّحية يعيش في مغارة ،فذهبت إليه على ظهر حمار ،وقصّت عليه حكاية إبنها وما جرى له …
…
يتبع الحلقة 3
من قصص حكايا العالم الاخر