شعر وشعراء
يعقوب المنافي / للشاعر خلف الحديثي
يعقوب المنافي
يعقوب قلبي وصوت الحزن يدميهِ
وكان طول المدى يخفي بما فيهِ
عيناهُ لم ترني حتى وما رأتا
طيفي وعطري مضى يطوي رؤى التيه
والوقتُ منهزم عنّي وقافلتي
فيها يجرجرُ نحو التيه حاديهِ
يثرثرُ الغيم في الآفاق من عطشٍ
والحلم تحملُ أنفاسي أياديهِ
غفا وطيف المتى بالوهم يسكنه
وفيه تسكنُ بالحمّى لياليهِ
أمشي وأضرحة الأيام تتبعني
إلى حضارة موتٍ لست أدريهِ
من طينةِ الحزن مجبولٌ أنا وفمي
ما زال يلثغ في إسمي ويحكيهِ
ماء انتظاري يسيل الآن من جسدي
فمن لجرحي على يُتمي يداويهِ
بلا سؤال أنا والوعد غادرني
ووعدك الآن في وعدي أخبّيهِ
مثلي قد ابيضّ رأس الشّيْبِ واشتعلتْ
حمّى الحنين وأدماني تجنّيهِ
صدّقتُ رؤياي لما مرّ عطركم
بأرض قلبي وناجتني خوافيهِ
قميصُ جرحي يشيل الآن أتربتي
بها يخبئُ أنفاسي لتحكيهِ
مازلت أذكر مذ ودّعت شاطئنا
أنّي يتيمٌ وقلبي من يسلّيهِ
وقفتٌ أعصرُ خمرَ الحزن من شفتي
وطيرُ موتي على رأسي يناغيهِ
والنسرُ في السجن من جوعي ينقّرني
وكوز خمري يد الباري تباريهِ
وألف سجنٍ ورائي صارَ يعشقني
وألفُ ثغر يناديني فأعصيهِ
لك احتكمتُ وذي الرؤيا تراودُني
وليس لي شاهدٌ في القصر يدريهِ
حتى العزيز وباب الدار أنكرُه
ألقى عليّ بلاء من تجنّيهِ
ﻻ أهل عندي وﻻ من شاهد أثراً
من التمنّع والسكّين تدميهِ
ومكرهنّ وقلبي لم يزل بشراً
به اللواعجُ تخفي ما سيبديهِ
أجّلت كلّ حروفي حين راودني
صوت له ارتبتُ حتى جئتُ أصغيهِ
فاطّيرت شفتي ممّا تلبّسها
من الجنون فصاحَت من سيثنيهِ
هم يرجموني وصوتُ الوحي يحرسني
وكل ما قد ألقت الأيام يقصيهِ
أدنيك منّي فكوني أنت حارستي
يا ربة الشعر لو يدعوك شاديهِ
إﻻك أنت وﻻ أخرى ستتبعني
لجنّة الحرف يا أنثى فضمّيهِ
عنّي ابعديني وكوني أنت داخلها
ووزّعي ما بنفسي سوف أرويهِ
وقلّبي روحَ أوراقي لأفضحهم
ما عادَ غيرك في وجهي سأدنيهِ
أنا انتظارٌ فصولي عافها مطري
وأجّلت غيمتي من كنت أرويهِ
بعثرْتُ كلّ الرؤى حتى انحنى شجري
وخاصمته رياحي في تلوّيهِ
كفّي تنام بها صحراء غربتنا
وفي أصابعها تجري معانيهِ
فأوصدي بابَ أحزاني لقد تركت
روحي النوايا فكوني الماء يُظميهِ
لن يمضغ الصمت قمحي دونَ معرفتي
وما أزال عن المجهول أقصيهِ
وما أزال عن الجسرين أسأله
وعن دروب المها يدري تثنّيه
وما أزال وعن بغداد أسأله
وعن نشيدٍ يغنّى من نواسيهِ
عن الرصافة عن نخل يضاجعها
بالكرخ في فلك الأزرار يخفيهِ
نحن ابتلاءان يا بغداد فانتبهي
غدا سيلقاك عند الشطّ رائيهِ
هزَزْت جذعَ نخيلي فاسقطي رطباً
على شفاهي وكوني أنت ناديهِ
ونفّضي عن سلال الشكّ أتربتي
ونثّري صوتَ مائي في روابيه
فالحاضرون أقاموا عرّسَ ميتتِهم
ووزّعوا فيّ سرّاً باعَ تمويهي
وكلّهم صارَ مرآة مشوّشة
إﻻك أنت يفوق الوصف تشبيهي
أقسمتُ بالتين والزيتون عن ثقة
ﻻ بدّ أنت التي يرويك من فيهِ
أنا أضعتُ يدي عني بحثتُ بها
عن بعض قلبي وعنّي في نواحيهِ
فعالمي أنت كن لي بوْحَ بسملتي
فأوّل الحرف حرف فيك أبديهِ
***