مكتبة الأدب العربي و العالمي
من قصّتي “سيرين” في كتابي مواويل الحنين في عيون حطّين وسيرين، إصدار دار الأسوار عكا.
روز اليوسف شعبان
كان عهدي بها منذُ أكثرَ من عشرينَ سنةٍ. كنتُ أزورُ صديقتي سيرين منذُ أن كنتُ طفلةً، وتوثّقتْ عُرى الصّداقةِ بيننا حتّى افترقْنا في مرحلةِ التّعليمِ الجامعيّ، حيثُ قرّرتُ الالتحاقَ في الجامعةِ خارجَ الوطنِ، في حين تعلّمتْ سيرين في إحدى جامعاتِ البلاد.
أذكرُ أنّي في طفولتي كنتُ أرى الحجّةَ أمينةَ جدّةَ سيرين تجلسُ دومًا في باحةِ الدّارِ، بجانبِ البئرِ مُنهمكةً في لفِّ ورق الدّوالي أو نقرِ الكوسا أو فتلِ المغربيّة. كانتْ تقومُ بأعمالِها بحُبٍّ وشغفٍ، تُردِّدُ المواويلَ الحزينةَ والأغانيَ الشّعبيّةَ. لا زلتُ أذكرُ بعضًا من مواويلِها تتردّدُ في ذاكرتي:
“نزل دمعي على خدّي حرقني
مثل الزيت بالمقلى حرقني
أنا تمنّيت ربي ما خلقني
خلقني للمرارة والعذاب
حبايبي شمّلوا شمَل وسنون
عليهم لصبغ الشفة ولسنون
حرام الضحك وأبيّنكوا يا لسنون
ما دام وجوههم عنا غياب”.
كنتُ أرقبُ الجدّةَ أمينةَ من بعيدٍ، وحينَ أتقاذفُ الكرةَ مع سيرين وتسقطُ بجانِبِها، أركضُ لتناولِها، فأنظرُ في عينيها الممتلئةِ بالدّموعِ ووجهِها الحزينِ، كانتْ تخاطبُني برقّةٍ قائلةً: “ديري بالك يا ستّي أحسن للطّابة تيجي على الأكل”. أُومئُ لها برأسي موافقةً آخذُ الكرةَ وأعودُ إلى صديقتي نتقاذفُها من جديدٍ ونحن حريصتان ألّا تسقطَ على ورقِ الدّوالي الملفوفِ والمصفوفِ في عنايةٍ على “سِدْر” النّحاسِ.
سألتُ صديقتي ذاتَ يومٍ: ما سببُ هذا الحزنِ الذي أراهُ في عينيّ جدّتِكِ ؟ ولماذا تردّدُ دومًا المواويلَ الحزينةَ؟