اخبار اقليميه
الجولاني يرتدي «عباءة» بن لادن ويهجر «القاعدة»
أسفرت ضغوطات إقليمية كبيرة عن إعطاء تنظيم «القاعدة» أمس الضوء الأخضر لـ «النصرة» في سورية لـ «هجرة» التنظيم العالمي بالتزامن مع محادثات مكثفة بين أميركا وروسيا للتعاون لمحاربة «النصرة» باعتبارها مصنفة مع «داعش» في قوائم الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية. لكن اللافت أن زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني ارتدى في الخطاب المقرر للابتعاد عن «القاعدة» اللباس العسكري وزي أسامة بن لادن زعيم «القاعدة» السابق وليس زي زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي.
وبحسب المعلومات المتوافرة لـ «الحياة»، عقدت في الأيام الماضية اجتماعات لمجلس شورى «جبهة النصرة» في ريف إدلب بمشاركة الجولاني وأعضاء عسكريين وشرعيين جاء بعضهم من ريف درعا في الأسابيع الماضية، أسفر عن اتخاذ «قرار بالإجماع بفك البيعة لتنظيم القاعدة، ذلك استجابة لضغوط إقليمية كانت فشلت قبل عام بسبب رفض الجولاني وبعض القياديين». كما ساهم في اتخاذ القرار «رغبة قياديين في تجنيب مناطق سيطرة النصرة قصف مكثف وسط اقتراب أميركا وروسيا من توقيع اتفاق للتعاون ضد النصرة وبدء شن غارات على محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة جيش الفتح» الذي يضم سبع تنظيمات بينها «النصرة» و «أحرار الشام»، بحسب المعلومات.
وبين العناصر التي جرت مناقشتها في المفاوضات، توفير دعم مالي بديل للتنظيم الجديد، باعتبار أن الموازنة الشهرية لـ «النصرة» كانت حوالى 25 مليون دولار أميركي تشمل تسليح وإمداد أكثر من عشرة آلاف عنصر لديها ينتشرون من باب الهوى على حدود تركيا إلى حماة، إضافة إلى أرياف حلب وإدلب واللاذقية وحماة. وكانت «النصرة» توفر مصادر التمويل من مصادر محلية زراعية واقتصادية ومن أموال دفعها وسطاء لإطلاق سراح رهائن غربيين وعرب لديها، إضافة إلى تبرعات خارجية. ويعتقد أن وعوداً قدمت بتقديم حوالى عشرة ملايين دولار أميركي شهرياً للتنظيم الجديد الذي سيقطع علاقته بـ «القاعدة».
وأسفرت المشاورات الداخلية في قيادة «النصرة» مع دول إقليمية في الأيام الماضية إلى الاتفاق على خطوات وبرنامج جرى تنفيذه أمس، بالتزامن مع وصول مسؤولين أميركيين وروس إلى جنيف أمس لاستكمال محادثات لعقد اتفاق عسكري يتضمن ضرب «النصرة».
كانت الخطوة الأولى تسجيل صوتي لأحمد حسن أبو الخير، «نائب» زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، وجه فيه «قيادة جبهة النصرة إلى المضي قدماً بما يحفظ مصلحة الإسلام والمسلمين ويحمي جهاد أهل الشام ونحضهم على اتخاذ الخطوات المناسبة تجاه هذا الأمر». ودعا «كل الفصائل المجاهدة على أرض الشام» إلى الاجتماع والتعاون في ما بينها، بعدما «أصبح لإخواننا المجاهدين على أرض الشام قوة لا يستهان بها وحسن إدارة للمناطق المحررة».
وبعد ذلك، أعلنت شبكة «المنارة البيضاء» التابعة لـ «النصرة» قرب ظهور الجولاني، الذي تحدث مساء أمس في خطاب متلفز ظهر فيه للمرة الأولى وجهه بثته قناة «أورينت» السورية و «الجزيرة» القطرية.
وقال الجولاني: «نعلن وقف العمل باسم جبهة النصرة وتشكيل جماعة جديدة باسم جبهة فتح الشام».
وتوجه الجولاني وهو يجلس بين عبدالرحيم عطون (ابو عبد الله الشامي)، المسؤول العسكري من ريف ادلب، وأحمد سلامة مبروك (أبو الفرج المصري) وهو من مصر، بالشكر إلى «قادة تنظيم القاعدة على تفهمهم ضرورات فك الارتباط»، بعدما أشار إلى أن الجبهة الجديدة «تهدف إلى التخلص من ذرائع المجتمع الدولي وأميركا وروسيا لمهاجمة السوريين»، وأن «فتح الشام ليس له علاقة بأي جهة خارجية».
وقال الخبير في الشؤون السورية في معهد الشرق الأوسط للدراسات تشارلز ليستر، الذي وزع أمس دراسة بعنوان «بروفايل النصرة»، إن فك الارتباط يرمي إلى «ترسيخ (النصرة) حضورها أكثر في الثورة السورية وضمان مستقبلها على المدى الطويل».
وتعد «جبهة النصرة» بين أكبر المجموعات الإسلامية، وبرزت في بداية 2012 بعد نحو سنة من الاحتجاجات السلمية في سورية. وكان زعيم «الدولة الإسلامية في العراق» وقتذاك أبو بكر البغدادي كلف الجولاني بتشكيل فصيل جديد، لكن بعد تشكيل «النصرة» ظهر خلاف بين الجولاني والبغدادي لأن الأول رفض مبايعة الثاني وأن يكون جزءاً من «داعش» لدى تشكيله، الأمر الذي حاول الظواهري حله عبر ترك «داعش» يعمل في العراق و «النصرة» في سورية.
ويسيطر «داعش» على محافظة الرقة شرق سورية ويعتبرها جزءاً من «خلافة» أعلنها منتصف 2014، لكن «النصرة» تجنبت إعلان «إمارة» في محافظة إدلب التي سيطرت عليها مع «جيش الفتح» في ربيع العام الماضي. ووفق خبراء، يشكل المهاجرون حوالى 15 في المئة من عناصر»النصرة» مقابل غالبية للعناصر المحلية، على عكس «داعش»، الذي يشكل المهاجرون غالبية في تشكيله. وتوقع أحد الخبراء أن يؤدي قرار الابتعاد عن «القاعدة» إلى انحياز المهاجرين والمتشددين إلى «داعش» والذهاب إلى مبايعة البغدادي، إضافة إلى احتمالات حصول انشقاقات في «جبهة فتح الشام».
وعقدت في الأيام الماضية اجتماعات بين كبار الموظفين في مؤسسات أمنية وسياسية وديبلوماسية في عواصم غربية لبحث كيفية التعاطي مع قرار «النصرة»، حيث ظهر اتجاه إلى عدم حصول تغيير، لوجود قناعة بأن خطوة «النصرة هي مناورة»، إضافة إلى «بقاء التهديد القادم من المتطرفين».