ثقافه وفكر حر
الأخلاق.. مَنبع الآداب.. بقلم محمد الحواس ابو طارق
فَمَن كانَ ذا خُلقٍ رَفيعٍ.. كانَ ذا أدبٍ جَمّ..
ومن ساءَ خُلُقَهُ.. ساءَ أدَبهُ..
ومن ساءَ أدَبُهُ.. قَلَّ حَياؤه..
ومن قَلَّ حَياؤهُ.. فهو في النَّارِ..
والإسلام جاءَ لِيَصُوغَ الأدب.. في ثوبِ الأخلاق..
ليرتقي بالبشريةِ جمعاء..
من دركِ الإنحطاط.. إلى سمو الأخلاق..
ومن مُستنقعِ الجهلِ والرذيلة.. إلى أدب الفكرِ والفضيلة..!!
كذٰلك أتت كل الشرائعِ السماويةُ.. تدعوا إلى حُسنُ الأدب ومكارمِ الأخلاق..
والعربُ قديما كانتِ تتفاخرُ بالأنسابِ والأحسابِ والآداب..
فكان أحدهم إن تكلم بالكلمةِ.. كانت كحدِ السيف..
لا يرجعِ عنها حتى يرعاها ويِنفِذُوها.. أو يهلكَ دونها..!!
فهم أصحابُ مروءةٍ وشهامةٍ وبطولةٍ..
كيف لا وهذا عَنترةَ العبسي يقول:
وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي
حَتّى يُواري جارَتي مَأواها
إِنّي اِمرُؤٌ سَمحُ الخَليقَةِ ماجِدٌ
لا أُتبِعُ النَفسَ اللَجوجَ هَواها
فهذه شيمٌ وأخلاقٌ تَنُمُّ عن أدبٍ عظيم وسموٍ وَرِفعَهٍ..
قَلَّ نَظِيروها هذه الأيام..!!
كذٰلك هذا زهير إبنُ أبي سلمىٰ يقول:
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ
وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
وَمَن لا يَزَل يَستَحمِلُ الناسَ نَفسَهُ
وَلا يُغنِها يَوماً مِنَ الدَهرِ يُسأَمِ
فهذا الرقيُّ في أدبِ الشاعرِ وحُسنُ أخلاقه..
لهما دليلٌ واضحٌ على نُبلِ نفسِهِ وترفعها.. حتىٰ عن صغائرِ الأمور..
وهذا كلهِ.. كما قُلتُ في مقالٍ سابقٍ وَموضِعٍ آخر..
عن السبب الحقيقي لإختيارِ العربِ من دونِ الأمم..
لِحَملِ الرسالةِ ورفعِ الرايةِ..
ولا عجبَ في ذٰلك.. فهم أهلُ مُروءةٍ وشهامةٍ وبطولةٍ ونَخوةٍ..!!
وهذه الصفاتِ النبيلةُ.. تكادُ لا تجدها عندَ الأمم الأُخرىٰ..!!
كيف لا وهذا أبي الحكم عمرو بن هشام..
فرعونُ هذهِ الأمة.. – كما وصفهُ الرسول ﷺ.. –
وهو يقول لفتيانِ قُرَيش.. وهم يَسألونهُ إقتحامُ بيتِ النبيِّ ﷺ ..
وتقول العرب: إن عمرو بن هشام روّع بنات محمد وهتك حرمة بيته..!!!
مع العلم أنَّ عمرو بن هشام «أبو جهل» الذي سمي بفرعون الأمة..
كانَ كافراً بمحمد وبكتابهِ وبدينهِ..
ومع ذلك.. لديهِ أخلاقٌ تمنعهُ من اقتحامِ بيتِ محمد ﷺ.. وَحَجَزَتهُ عن ترويعِ بناتِ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلام..!!
لقد سَطَّرَ التأريخُ هذا الموقف لأبي جهل..
ولم يظلمهُ حَقَّهُ رغمَ كفرهِ وعداوتهِ للرسولﷺ..
وسجلَ التأريخُ تلكَ المروءةُ والشهامةُ..
وأثبتَ التأريخُ.. أن أبي جهل رغم كُفرهِ وعِنادهِ..
أعلىٰ شَرفاً وأحسنُ مُروءةً مِن كثيرٍ مِمن يدعونَ الإسلام!
ويكفي نظرةً بسيطةٌ علىٰ ما يجري حولنا..
وما يدور من قتل وتشريد.. وتنكيل على الهوية..
لنكتشفَ حجمَ المأساةِ.. وإنحطاطِ الأخلاقِ وضياعِ الذممِ ونقضِ العهود.. بل والغدرِ والخيانةِ والتآمرِ على الأُمةِ فضلاً عن الإنسان..!!
في حِين أنَّ العربَ في الجاهليةِ..؛ بِمَوروثِهِمُ الأدبي وأخلاقِهِمُ الساميةُ..
تَجاوزوا كثيراً مِما كان عندَ الأممِ الأُخرىٰ من أدبٍ وأخلاق..!!
رغم أنَّ أخلاقهم وآدابهم لم يكتملا.. إلا ببعثةِ النبيِّ ﷺ..!!
وللأسف اليوم.. ترىٰ كثيراً منا في ذيل الأممِ أدباً وأخلاقاً..
وذلك لأننا تَنَكَّرنا لدِيننا وأخلاقنا الإسلامية السَّمحَةَ..
وَقَلَبنا لِموروثِنا الأدبيُّ ظَهرَ المِجَن..!!
وركبنا مَوجةَ الحَداثةِ والتطوير.. بحجةِ مواكبةِ العصر..
تاركينَ أهمَّ أركانِ التطوير.. الدينُ والأدبُ والأخلاق..
وصدق الشاعر إذ يقول :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ويقول :
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه
فقوم النفس بالأخلاق تستقم
ويقول :
إذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا
لا حول ولا قوة الا بالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون..
أسأل الله العظيم أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً..
ويهدينا لأحسن الأخلاق.. لا يهدي لأحسنها إلا هو..
وأن يرفع شأننا ويعلي قدرنا ويديمَ عِزَّ الإسلام والمسلمين..
اللهـم آمــين يارب العالمين..
محبكم في الله.. ابو طارق الحواس