مقالات

الحَجْرُ… الحربُ… والحُبُّ / بقلم جابي لطيف / فرنسا

الحَجْرُ… الحربُ… والحُبُّ
‏مقالتي اليوم في صحيفة النهار اللبنانية.
مَن كان ليتخيَّل أنَّ البشريَّة جمعاء ستُسدل الأستار وتقبع في بيوتها خوفاً من وباء؟! مَن كان ليصدِّق أنَّ الإنسان الذي هبط على سطح القمر سيقف عاجزاً أمام جرثومة صغيرة؟! في باريس، في بيروت، كما في غيرهما من العواصم حلَّت كورونا كالزَّلزال، كالموت، كالحرب. نعم، كالحرب التي عاصرناها في لبنان. فالخوف من الوباء أعادني إلى ذلك الهلع اللَّعين من صوت الرَّصاص والقذائف والرَّاجمات. بلمحة بصرٍ عدتُ إلى مربَّع الخوف الأوَّل حيث اللُّعبة لعبة “الروليت الروسية المميتة”، وحممُ النَّار قد تصيبك وربَّما لا. فالمسألة مسألةُ حظٍّ. وهكذا الأمر مع الجائحة.

حتى تلك اللَّحظة كانت باريس واحة أمان. ولكنَّها تحوَّلت، في رمشةِ عين، إلى بؤرةٍ للفزع والقلق. الأسباب المعروفة تتلخَّص بانتشار الوباء. أمَّا الأسباب غير المعروفة فكانت الوجل من الإصابة بالفيروس والرَّحيل الأبدي بعيداً عن لبنان. الرحيل بعيداً عن الأرض الأولى هاجسٌ راودني منذ البداية وسيطر على أفكاري وأعطى لصراع البقاء معنىً آخر. فرنسا أُقفلت، ودَعت إلى شتَّى سبل الوقاية، وفي طليعتها الحَجْر الصِّحِّيُّ الشَّامل. أدَّى ذلك إلى الشُّعور بأنَّنا سجناء، وحيدون، متروكون لأقدارنا، لا نعلم إن كنا سننجو أم لا.

منذ اللَّحظة الأولى، شعرتُ بأنِّي أعيش من جديد تجربة الحرب. فشوارع مدينة الأنوار فرغت من ناسها، وأمست صحراء موحشة، أرضاً يباباً. ولكن، بعكس الحرب، كان الصَّمت مَوْلَىً على كلِّ شيء. وهنا المفارقة. في لبنان صوت الرَّاجمات مرعبٌ، وفي باريس صمتُ المدينة مريب. في لبنان الشَّوارع خاويةٌ إلَّا من المسلَّحين، وفي باريس الشَّوارع خاويةٌ إلَّا من المسعفين. في لبنان كانت الطَّريق محفوفةً بالمخاطر عند الذَّهاب إلى مبنى التِّلفزيون، وهنا الطَّريق محفوفةٌ بالمخاطر عند الخروج للتَّزوُّد بالأساسيَّات. هناك كنت أعمل في الإذاعة تحت نيران القصف، وهنا حربٌ يموت فيها من يعمل.
هالمصدر : الصفحة الرسمية للاعلامية جابي لطيف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق