مكتبة الأدب العربي و العالمي

المزمار_السحري الجزء السادس

تسللت بدور بحذرٍ حتى جذبت قرن التمثال فانزاح عن مكانه كاشفاً عن كرة الزجاج..
وما إن حملتها بدور حتى ظهر لها الغول من الخلف.. فلما شاهد الكرة بين يديها وإذا به يصرخ بها :
لاااااا… أعيديها الى مكانها… أنت لا تفهمين ولا تعلمين ما سيحدث لو تضررت الكرة..

لكن بدور ألقت الكرة على الأرض فتهشمت الى آلاف القطع…..
وفي تلك اللحظات..
تلبدت السماء بغيومٍ سوداء..
وأخذت الصواعق تضرب قمة الجبل..
ثم ملأ القلعة دخانٌ غريب.. تلا ذلك أن ظهرت من بين الدخان إمرأةٌ طويلة في منتصف العمر تتشح بملابس سوداء.. يبدو على ملامحها المكر والدهاء…..

تجولت تلك المرأة في المكان قليلاً ثم اتجهت نحو بدور.. فتراجعت الاخيرة حتى التصقت بالحائط.. فنظرت إليها المرأة الغريبة بخبثٍ ثم قالت :
أتعلمين من أنا يا فتاة؟؟
هزت بدور رأسها بالنفي وهي تشعر بالخوف منها
فقالت المرأة :أنا ادعى (ميساء).. ويلقبونني بالساحرة السوداء..
وقد عشت منذ زمنٍ بعيد في المملكة المجاورة مع أبي، وحيدين في البرية بعيداً عن الناس لأن أبي كان يمارس السحر الاسود..

كنت لا أزال فتاةً شابة، تحلم مثل أي فتاة أن تعثر على الحب الصادق وترتبط بفتى أحلامها..

وفي أحد الأيام..شاهدتُ شخصياً (هارون) أمير بلادنا راكباً حصانه وهو يجول في البرية فأعجبت به وتقربت منه..
هارون كان رائعا، فقد قبل صداقتي وعاملني بلطف..
كان هارون يأتي الى ذلك المكان في البرية كل يومٍ للاستجمام.. وكنت أنا انتظره على أحر من الجمر لاستقباله وصنع الفطائر اللذيذة له والتي أخبرني أنه يعشقها..

ثم أغمضت ميساء عينيها بشدةٍ وقالت :كم كنت غبية…غبية..
ثم واصلت كلامها :
وفي أحد الايام.. سمعت أشاعةً تفيد بأن الامير هارون قد تمت خطبته من احدى الاميرات.. فصدمت بالخبر..
وعندما التقيت بهارون ذلك اليوم، سألته عن الخبر.. فلم ينفي الامر.. فتضاعفت صدمتي وقلت له :وماذا عني أنا؟؟
أجاب ببرود :ماذا تعنين؟؟ كنت أتصرف معكِ بلطف لأنكِ وحيدة.. هذا كل ما في الامر..
لكن بإمكاني أن أعينكِ طباخةً في القصر لأني أحببت فطائرك..

آنذاك.. إمتلأ قلبي حقداً وغيضاً على هارون.. فعدت الى أبي أبكي وأخبرته بما حصل، فاحتضنني أبي وغضب غضباً شديداً على هارون لأنه حطم قلب ابنته.. فقام بلعن هارون بأن حوله الى غولٍ قبيح ووحيد ومعزول على قمة هذا الجبل.. وكتب عليه أن يظهر في كل خمسين عاماً لمدة خمسة ايامٍ فقط بعدد الايام التي التقاني فيها..

والطريقة الوحيدة التي يعود فيها الى شكله, هي في حالة شهد أمامه حالة حبٍ حقيقية لشخصين غريبين عن بعضهما خلال تلك الفترة القصيرة, تماماً كما حصل معي..
فقط قوة الحب الحقيقي هي القادرة على كسر لعنته..
لذلك تراه يحاول خطف شابٍ وشابة في كل مرةٍ يظهر فيها.. لكن ليس في كل ظهورٍ ينجح في العثور على مبتغاه.. وحتى لو حصل على الشاب والشابة, فمن المستحيل أن يقعا في الحب الحقيقي..

وكما أرى, فأنه قد حصل عليكما هذه المرة.. في حين أنه لم يتبقى من المدة المقررة سوى يومٍ واحد وما زلت لا أرى بوادر الحب الحقيقي على الإطلاق..
نظرت بدور الى الغول وقالت :إذن فهو لم يكن يلتهم المخطوفين..

أجابت ميساء :كلا يا فتاة.. بل كان يثير فيهم الخوف من أجل أن يتقربا لبعضهما أكثر..
ثم ضحكت بسخريةٍ وقالت :وكأن ذلك سيسهم في تقوية أواصر الحب بينهما..
ثم نظرت الى بدور نظراتٌ ملؤها الشر وقالت :
الكرة التي حطمتيها كانت تحافظ على سحر المكان.. لكن لا بأس.. بإمكاني صنع واحدةٍ أخرى..
سأرحل الآن لفعل ذلك.. لكن بما أنني هنا, فيجب أن أتأكد أنكما أيها الشابين الصغيرين لن تقعا في الحب سوية..

أخذت ميساء تقترب من بدور شيئاً فشيئا.. فصرخ عليها احمد :دعيها أيتها الساحرة وخذيني أنا… أتسمعينني؟؟
لكن ميساء مدت أصبعها فلمست جبين بدور.. وما إن فعلت ذلك حتى سقطت الأخيرة أرضاً بلا حراك وسط ضحكات الساحرة وصرخات احمد..

ثم أخذ جسد بدور يرتفع في الهواء وكأنه يستعد لمغادرة هذا العالم الى الأبد.. فجعل احمد يصرخ بالغول قائلا :
هارووون.. أرجوك افتح باب الزنزانة.. افتح الباااااب..
فقام الغول بفتح الباب وهو يقول :لا فائدة يا فتى.. فقد رحلت فتاتك الى غير رجعة… لقد رأيت ذلك من قبل..

هرع احمد نحو بدور وأراد إمساكها.. لكن حاجزاً خفياً كان يصعقه ويردعه عن لمسها..
شرعت بدور بالارتفاع أكثر حتى أصبحت خارج متناول احمد .. ثم أخذت تضمحل وتتلاشى.. فتأثر الفتى كثيراً حتى سقط على ركبتيه وهو يقول :

سامحيني يا بدور .. لقد فشلت في إنقاذك..ثم صارت دموعه تتساقط وهو ينادي عليها..
قالت ميساء :إنها لن تسمعك… فهي لم تعد قادرة على سماع أصوات هذا العالم..
لكن في تلك الاثناء.. سقط المزمار من بين طيات ملابس بدور.. فتلقفه احمد بلهفة وقال :
ربما ستسمع صوت عزفي… ارجوك أيها المزمار, كن مزماراً سحرياً ولو لمرةٍ واحدة..

شرع احمد بالعزف على مزماره..
وهنا.. وأمام دهشة الجميع..
فتحت بدور عينيها.. والتفتت الى احمد بسرورٍ وقد بدأ جسدها بالعودة الى هذا العالم والنزول الى الارض.. فتلقفها احمد بين ذراعيه وهو يشعر بسعادةٍ غامرة..
قال لها :
سمعتي صوت ألحاني؟؟
قالت وهي تطوق عنقه بذراعيها وتنظر اليه :
بل سمعتك تناديني.. أجل يا احمد قد فعلت..
هنا تقدمت ميساء فاختطفت المزمار ونظرت إليه وقالت :
ياللهول… إنه مزمارٌ عادي وليس سحرياً أبدا.. وهذا يعني شيئاً واحدا.. وهو أن الفتاة قد سمعت بالفعل صوت الفتى… والامر الوحيد الذي بمقدوره أن يعيدها من ذلك العالم, هو الحب الحقيقي..

ولدى مشاهدتها لبوادر الحب الأصيل تظهر أمام عينيها, قررت ميساء التصرف بسرعةٍ والتخلص من الاثنين معا……

 

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق