ثقافه وفكر حر

أدب الخلود / لينا ابو بكر

كان الصبي منهكا و هو يجر الطبلة فوق ما يشبه المركبة الصغيرة التي يتم دفعها بعجلتين صغيرين في خلفيتها المتينة ، كان يتصبب…

Gepostet von Lina Abubaker am Dienstag, 2. Juni 2020

كان الصبي منهكا و هو يجر الطبلة فوق ما يشبه المركبة الصغيرة التي يتم دفعها بعجلتين صغيرين في خلفيتها المتينة ، كان يتصبب عرقا ، ويسير إلى جانبيه والداه اللذان لم يبديا أي عون له في جرها أو حملها إلى منصة المسرح !
كنت أنظر إليه وهو يرتقي حلبة العرض بطبلة أكبر من حجمه ، و بملامح حيادية لا تعينك على إدراك شغفه بين تعبه و خجله أو بين فضوله و اختبائه من عيون الحاضرين …
بدأ العرض …
الموسيقى تتدفق من كل مكان في المسرح ، من كاميرات الهواتف المحمولة ، من الأضواء ، من الجدران ، من العرق الطفولي للطبول و
من أقدام الملائكة الصغار، التي تنسى العزف مع فرقة الأوركسترا لأنها تنشغل بالبحث عن فردة حذاء سقطت سهوا من درج الحكايات و أمرائها الصغار في مخيلة الذاكرة !

العبقرية ليس أن تكون خارقا في الإبداع فقط … لأن للمثالية صورها ، و قيمها ، وحين يضم عمل إعلامي أطفالا بإمكانيات المبتدئين ، لا يعني أنه يجهل تقييم الأداء احترافيا ، ولا حتى يتغاضى عنه .
المسألة تتعلق بالمواقف … و أسس التربية التي تعكسها ظروف التجربة ، و مبادؤها ، و كونها تظاهرة إبداعية تستوعب الطاقات المختلفة بمستوياتها الأدائية و العمرية ضمن حدود تراعي الاعتبارات المهنية و المختلفة ، ما يستدعي أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار عند تقييمها .

طبعا نوجه شكرنا لكل الذين تفضلوا بإبداء آرائهم مهما اختلفنا معها ، وسألوا عن الطفلة التي تعزف الكمان في برنامج أدب الخلود …..
ريفان حمدان هي ابنتي ، التي تلقت بضع دروس للعزف لا تتجاوز أصابع اليدين عبر أكثر من سنتين ، وهي تشارك معنا ليس كمحترفة ، بل كفلسطينية لم تزل تخطو الخطوات الأولى في هذا الحقل الإبداعي .

الشهرة بالمواقف الشريفة شرف ، لو كانت الشهرة مطلبا ( يا جماعة الحلال ) ، لكان المجال مفتوحا على مصراعيه في عروض عالمية لا تمت بصلة لفلسطين، ولكن ابنتي مثل أمها – تعشق أبناء السماء ، وهذا ليس جانبا عاطفيا سطحيا ، بالعكس تماما، إنه وعي نستبسل لتكريسه.

يصر أساتذة الموسيقى في معاهد التدريب هنا في لندن على مشاركة المبتدئين في العروض الموسيقية الكبيرة ، لأنهم يؤمنون أن الإبداع يحتاج إلى اقتحام وشجاعة وجرأة ، يحتاج إلى معايشة و إلى إشهار وليس شهرة ، فهناك فرق ، وهنا تكمن الرسالة والعبقرية ..

و لأن فلسطين هي الهاجس الفكري والوطني والإنساني لي و لأطفالي … كان لابد أن يكون حضورهم -بما امتلكت طاقاتهم -تعبيرا عن موقف أخلاقي ، لا يخل بالاعتبار الاحترافي طالما أن الطفولة و الهوية الأصيلة تشكل دافعا إبداعيًا و انتمائيا ، في برنامج يحرص على الإحاطة بالمشهد الإبداعي الفلسطيني على اختلاف فئاته و أمكنته.

واسمحوا لنا أصدقاءنا الكرام ، أن نسجل اعتزازنا بشرف المحاولة… التي تشكل نواة العبقرية بتجلياتها الفطرية والعفوية ، والتحامها التلقائي مع إطارها الوطني العام الذي لا يغدو فيه البعد الشخصي مجرد أنانية حمقاءأو استعراض بخس ، طالما أن التباهي بالبطولة والأبطال والانتماء للشهداء ، هو شرفنا الفكري و الوجودي .. ونحن لا نعرض نشازا ولا نطرح ما يخل بالحياء ، ولا ما يجرح الشعور الوطني ، ولا ما يشوه الذائقة، أو البصر أو السمع أو يتمادى على العرف المهني ، بل نضع ما نملكه من إمكانيات متواضعة في خدمة الوطن ، و أسس التنشئة الوطنية وقيمها النبيلة ، ولولا جائحة كورونا لكان معنا أطفال عرب بريطانيون آخرون هنا قمنا بدعوتهم ، وتعذرت مشاركتهم لأسباب لها علاقة بالظرف الكوني العام .
مجددا نحن لا نتضايق من آرائكم أبدًا ونرحب بها ونأخذها بعين الاعتبار مقدرين هذا التفاعل وهذا الاهتمام .

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق