مكتبة الأدب العربي و العالمي

من الذاكرة (باللغة العامية الفلسطينية) صلاح الخطيب

أواخر سنة ٨٠ وبعد موسم الزيتون وبعد الموسم ذهبنا لزيارة انسباء لنا في مدينة نابلس من قريتنا الجميلة (قبيا)غرب رام الله وكما هي العادات الجميلة انه الفلاح ما بزور حدا وأيده فاضية(آمل انه تكون هذه الخصال الى اليوم) قرر والدي رحمه الله وهو من مواليد (١٩١٠) ان تكون الهدية تنكة زيت وتنكتين إرصيص (زتون) ، كان حينها الذهاب الى مدينة رام الله يستغرق ساعتين بالباص وطبعا في كل قرية يتوقف السائق (رحمه الله ابو رائد) علشان يحمل ركاب ونمر عن نعلين ودير قديس وخربنا الى منطقة متعرجة بين الجبال تسمى وادي الملاكي وهو واد صغير تحركه امطار الشتاء ولكن كنت استهوي ما اسمعة من التهويل عن ذلك الوادي وقوتة في جرف السيارات والناس وطبعا كانت تلك فقط قصص غير حقيقية الا انها جميلة لابناء جيلي في ذلك الزمن وكنت ابن الرابعة عشره …والابن الأخير وتالي العنقود بالفلاحي وقد تعززت حظوظي من الدلال لا سيما بعد استشهاد اخي عام ٧٩ ويبدوا حسب تلك الأيام ومواصفاتها ان وضع العائلة المالي فوق جيد لا سيما ان اخي الكبير والبكر رحمة الله يبعث بين الفينة والأخرى من البرازيل ٥٠٠-١٠٠٠ دولار للحج والدي علية الرحمة
.
ما زلت اذكر انه كان عندي هدف استراتيجي من الالحاح للذهاب مع ابي وهو شراء بسكليت جديد حيث لم يكن في حينها اي بسكليت جديد في كل القرية ….وكان هذا يعني احسن من سيارة لامبركيني ..
تابعنا الركوب بالباص وتعرجنا بين قرى غرب رام الله وهي عديدة وتمر عن صفا اعتقد وبيت عور التحتا والفوقا … ومن ثم بيتونيا ومنها الى رام الله التحتا (غرب رام الله والبلدة القديمة) وموقف الباصات وكانت الساعة ربما الثامنة والربع صباحا …وما اجمل الكعك اللي علية سمسم مع بيضتين مسلوكات…كان ذلك الصباح ممطرا وباردا وأهل فلسطين يعلمون عن برد رام الله …
الان يجب الذهاب الى وسط شرق رام الله علشان نركب بالتكسي الى نابلس … وهذة مسافة ويجب حمل التنكات الرصيص والزيت مع والدي ويصر أبوي انة يحمل تنكتين وانا تنكه رفقا بي ولعمري وكان قويا رحمه الله رغم انه في السبعين من عمرة في حينه …. وكان تصميم التنكة جدا مؤذي لليد ومقبض الحمل يغز بالايد …الا ان هذا في سبيل بسكليت جديد لا بأس بالألم …
وصلنا من وسط مدينة نابلس وقريبا من المسجد ذو القبة الخضراء الى منطقة تحتاج ان تمشي حوالي ٩٠٠ متر والمصيبه انها حارة شديدة الارتفاع …يعني بدون تنكة الزتون يلا يلا تقدر تطلعها مشي ….فما بالك بذلك الحمل …سالت أبوي يابا ليش جبنا هدا الزتون والزيت في هالمطر والبهدلة …كان شرينا زعبوط (علبة) سلفانا وخلص … رد علي الوالد
علشان نسايبنا غاليين علينا وعلشان اخوك محمد بالبرازيل وعروسته النابلسية….

الصدق اني لم استوعب ذلك الجواب في حينه …

وعلمت مع الأيام اني واخي محمدمواليد ١٩٤٠ كنا الأقرب الى قلب ابي .. محمد البكر وانا صلاح تالي العنقود …من بين ١٦ بطن اي طفل وجنين عاش منهم ٩ وبعدها استشهد اخي حسين في ٧٩….وألان تبقى ٤ ورحم الله امواتنا وأمواتكم ….
كان نسيبنا رحمه الله سعيدا ومبتهجا بنا وكان مديرا لإحدى المدارس في نابلس وكان يسعد بالحديث مع ابي لانة يحب الحديث عن الأرض والفلاحة والزيتون وهو أصلة من احدى قرى فلسطين الداخل وكان استاذا في نابلس وفقد إقامته بالرجوع الى الداخل …لا اعرف التفاصيل ولكن ما زال لنا علاقة جميلة مع العائلة ….
تغذينا وذهبنا لصلاة العصر في المسجد ذو القبة الخضراء ….ونسيبنا يصر يا ابو محمد ناموا عندنا وبكرة الصباح رباح ….الى اني اذكر انه أبوي اصر على التوديع ورجعنا الى رام الله وكانت ساعة متأخرة ويوم شتاء قصير من ايام ديسمبر ،…. والمصيبة محلات البسكليت سكرت ….
لا حول ولا قوة الا بالله ..
وكل اصدقائي في القرية يبنتظروني والأهم ينتظرون رؤية البسكليت …!!!!
تذكرت ان اكتب هذة الذكرى حيث من عدة شهور كنت بالطائرة متوجها الى مدينة بوسطن من واشنطون وكثيرا اشتري تذاكر في الدرجة الاولى لانها لا تكلفي شئ (card points)
كانت الدنيا صباحا ويبدوا اني سهوت على ذلك المقعد الوثير وسيدة جميلة تهز كتفي كي توقظني وهي تقول
(SIR we arrived )
لقد وصلنا …أجبتها بالعربية قطعنا وادي الملاكي ….كنت احلم في تلك السهوة القصيرة انني في الباص مع ابي ذاهبين الى رام الله …..!!!!
هذه هي فلسطين …هي حلمي وحبي وفوائدي….
تداركت الموقف وشكرت السيدة بالإنجليزية…….
…..
اما بخصوص البسكليت فتلك قصة أخرى ….واستغرقت المشي ٧ كيلومترات ….
احدثكم عنها لاحقا ….

فلسطيني يعشق تراب فلسطين
صلاح الخطيب/واشنطن

ان راقت لكم اكتب لطفًا
تم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق