الرئيسيةخواطر

غفْوةٌ على أزهارِ البرتقال / عزت ابو الرب / فلسطبن

شدني ذاك العبيرُ الهادئُ الوثير، وزَحَفتْ أقدامي نحْوَهُ عَفْوَ الخاطر، ورأيتُني أشارُك البلابل،َ وجموعَ النحلِ هذا النعيمَ . أخذَتْ تلك الأجنحۃُ والعناقيدُ الفواحةُ البيضاءُ تساقَطُ عليَّ، و تشدُني معها إلى الأرض. ضَعُفْت، لم أعدْ أقوى على الاحتمال، غلبني ذاك السديمُ الأنيقُ، مَلَكِيُّ البياض، فافترشْتُ هذا البساطَ اﻵذاريَ ، المُضَرَّجَ بأزهارِ البرتقال، والمُوشّی بأصفرِ الأوراق. وعلى إيقاعِ جانياتِ الرحيقِ، ورفيفِ النسائمِ، أسلمْتُ جسدي للكرى، غمرني ثِقَلٌ لا يَرُدُّ زهرةً تغفو هي اﻷخرى على هَمْسِ نحلةٍ، أو عِناقِ عصفور .
تناثرت تلك الأزاهيرُ المطواعةُ المُضَمّخُۃُ بالشذى والرحيقِ على ما يشبه جسدي المسجى كنجوم تملأ الكون حياة.
وبينَ عُبابِ شمسٍ نسجتْهُ بلابلُ آذار وصغارُ العصافير، غِبْت،ُ سَهَوْتُ، أخذتني غَفْوَۃٌ تحتَ قُبۃٍ ملكيۃٍ خضراءَ، تنثرُ تيجانَها بحِشمۃٍ وقار على الأديم.
ومَعَ عَبَقٍ ربيعيٍ بكرٍ ، يتدفقُ شهياً غنياً، يملأُ الأنفاسَ، عِشْتُ لحظۃَ جمالٍ ريفي،ٍ افتقدتُها مذ كنتُ صبياً يافعاً، يعشقُ البساطۃَ، وعلی خمريِّ الترابِ الطهور يغفو، يحلو له النومُ، ويطيبُ في ظلالِ اللوْزِ والزيتونِ. و بأجواءِ الطبيعةِ الخلاب يأنس، يتسلق الهضابَ والجبالَ، ومن صخرةٍ ﻷخرى يقفزُ كما الغزلان، يألفُ حفيفَ الأوراقِ وهبّاتِ النسائم في الأرجاء. يهمسُ للطيورِ، يناغي الحجلَ، ويشاكسُ بريَّ الأرانبِ. يقطفُ الخَوْخَ البريَّ والجميزَ ، يقضمُ الخسَّ والعكوب، ويمضغُ الشومرَ والزعترَ ، يلتقطُ ثمارَ الدومِ والسِّدْر، يستعذِبُ ماءَ الضحاضيحِ والمعاصر.
ومِن أُضْمومۃِ زهْرٍ يحارُ الفهمُ في معرفۃِ ألوانِها، و وصْفِ عبيرِها، يعودُ بأيقونۃٍ نُقشِت في الصدورِ ، ودرۃٍ تزدانُ بها النحور تُسَمّی فلسطين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق