اقلام حرة

ماذا لو أن رموز الحركة الوطنية البحرينية التاريخيين احياء اليوم ؟

كتب الإعلامي هاني الريس / الدنمارك

 

تمر علينا اليوم ذكرى خمسة عقود ونيف من الزمن، على الإنتفاضة الشعبية العارمة في البحرين، التي هبت استجابة لصرخات أكثر من 400 عامل بحريني، سرحتهم شركة ” نفط البحرين المحدودة ” الاستعمارية من وظائفهم بشكل تعسفي، وأطلق عليها انتفاضة الخامس من مارس 1965، لتكون بذلك الشرارة الأولى لموجة الإحتجاجات الكبرى والواسعة النطاق في صفوف الطبقة العاملة والفقراء والطلاب والمثقفين في عموم البحرين. والتي هزت بقوة اصرارها وعنفوانها، أركان المستعمر البريطاني، وجميع أعوانه في البلاد، ووصل صداها الى أرجاء واسعة، من العالم، وتقابلها اليوم الآلاف من الصرخات في جميع أرجاء البحرين وفي الخارج، ممن ظلوا يكتوون بنيران الظلم والبطش والسجون والاعتقال خارج إطار القوانين، والتهجير التعسفي، ولم يجدوا من يهب لنصرتهم والدفاع عن حريتهم وكرامتهم، إلا ما كان قد ندر من التضحيات الحقيقية والصادقة والمخلصة، فما يطلقون على أنفسهم اليوم بالمعارضين والمدافعين عن كرامة الشعب وحريته وسعادته واستعادة سيادته، لا تتعدى ردود افعالهم عليها، سوى بشعارات الاستنكار الخجول أو الصمت المطبق، وهم يعرفون كامل الحقيقة، بأن ما يصاب به أشقائهم في الوطن، من صنوف العذاب والقهر التام، إنما هو يحرق القلوب، ويمزق شرايين الدم، ومع ذلك لا يحركون ساكنا، ولا ينطقون ببنت شفة لتغيير الواقع الأليم المعاش اليوم في البلاد، وذلك بسبب، دخول اليأس، إلى النفوس، والهروب من الواقع، وتشردم صفوف قوى المعارضة، سواء على مستوى الداخلي، أو الخارجي، واعتقاد البعض بأنهم وحدهم فقط من يمتلك حق الدفاع عن القضية الوطنية الحاضرة والماضية، ناهيك عن كل التمترسات الطائفية والعقائدية والمذهبية، التي انهكت كاهل المجتمع البحريني برمته، وهو الأمر الذى أوصل الناس إلى هذه الحالة المأساوية والقاهرة، التي يعيشونها اليوم

ومنذ آخر انتفاضة حدثت في البحرين في 14 شباط/ فبراير 2011، مازال الناس يعانون من هول الكارثة الأمنية الرهيبة، التي قصمت ظهورهم، وافقرت حياتهم، وقتلت ابناهم وبناتهم، وشردت العديد من الأشخاص والعوائل البحرينية، إلى مختلف العواصم العربية والأوروبية والعالمية، بسبب ممارسة البطش
والتنكيل المضطهد، و بالإضافة إلى ذلك مارست السلطات في البحرين نهجا قمعيا صارخا، ضد الجمعيات السياسية، التي اعطتها تصاريح العمل السياسي والحقوقي في البحرين، ثم مالبثت أنانقلبت عليها وحلتها وختمت أبوابها بالشمع الأحمر، وحاكمت رموزها وقياداتها والعديد من كوادرها وانصارها، ودفعت بهم إلى المعتقلات، واستدعتهم لمحاكمات صورية، وخالية من جميع المعايير الدولية لاصول المحاكمات، وفرضت عليهم أحكام جائرة تتراوح بين عشرات السنين، والحكم المؤبد، تحت ذريعة انهم خالفوا القوانين وتصدوا لسياسات السلطة الحاكمة والحكيمة، وكانت قد أكدت على خلو تلك المحاكمات الجائر و العقيمة، من كافة هذه المعايير، منظمات، وهيئات، ومراكز حقوقية، محترمة ولا مجال هناك باتهامها بالتحايل، أو التواطؤ، أو المدفوع لها ثمن الوقوف، إلى جانب هذه الجهة، أو تلك .
وبيت القصيد، الذي يجب أن يقال في هذا الشان، وفي هذا التوقيت بالذات، بعد مرور عدة عقود من الزمن، على انتفاضة الخامس من مارس المجيدة والخالدة والمباركة، إنما كان يميزها، هو أنها جمعت كل الأضداد، وجمعت كل اطياف وشرائح وطبقات وطوائف المجتمع البحريني، ولم يكن هناك من يدعي أنه القائد الوحيد الكارزمي، والاصيل للانتفاضة، ولم تكن هناك أية نرجسية، او محسوبية، ولم يكون هناك، أي تعالي، أو تكبر على الآخرين، ولم تكن هناك طائفية بغيضة تدعي لنفسها الدفاع عن قيم ومثل وتاريخ المجتمع، وبالتالي كانت الظروف الذاتية والمعنوية، مختلفة تمام الإختلاف عن الحاضر المعاش حاليا، والذي يريد لنفسه أن يكون وحده فقط ومن دون غيره في تصدر الواجهة، وذلك من دون أن يقدم حتى الشيء الشحيح من التضحيات، ولكنهم يصرون على العناد، ويعتبرون انفسهم، انهم من دون غيرهم يمتلكون ويحتفضون بكل خيوط اللعبة السياسية، على المسرح السياسي البحريني، وعلى العكس من ذلك كان رموز وقيادات وكوادر وانصار حركات التحرر الوطني في البحرين السابقين، يضحون بانفسهم وعوائلهم وبكل غال ونفيس من أجل خدمة القضية الوطنية، تحت شعار الوطن للجميع، وليس لطائفة معينة من طوائف المجتمع البحريني، والحق والعدل والإنصاف يجب أن يحصل عليه الجميع، وليس هناك فرق بين اعجمي وعربي إلا بالتقوى .
هكذا سار، رموز وقيادات الزمن المنصرم، على هذا الدرب، وحافظوا بطريقة أو اخرى على بقاء الحالة الشعبية متماسكة وصلبة في طرح مطالب احتجاجاتها وانتفاضاتها وثوراتها الوطنية، ولا يهما أن تصدت لها دولة او قوة اجنبية لمنعها من إنجاز مهماتها التحررية الوطنية .
ونحن سنظل نرى في هذا الوقت، أنه لوكان جميع رموز وقيادات وكوادر وانصار وشهداء النضال الوطني البحريني، الذين عاصروا تلك المرحلة الصعبة والمؤلمة في ظل انتفاضة مارس الخالدة والمخلدة، احياء يرزقون لما كانوا قد تعاملوا أو اختاروا أشخاص يتفاخرون اليوم بعظمة انجازاتهم وتضحياتهم الزائفة، تجاه القضية الوطنية، عندما ينشرون مجرد بعض المعلومات أو التقارير الموجزة عن احوال وهموم الداخل البحريني، أو انهم يشاركون في الندوات أو المؤتمرات المدفوعة الثمن سلفا، أو يؤسسون مراكز البحوث والدراسات، ومنظمات ومراكز وجمعيات حقوق الإنسان، أو يعتصمون بعدة افراد، امام بوابات السفارات البحرينية، أو السفارات الداعمة لها في الخارج، من دون أن تكون لهم هناك تحركات وطنية صادقة ومخلصة، نحو الاهداف الوطنية المشتركة والمتضامنة والمتاخية، وبعيدة عن كل اشكال الطائفية ، والمذهبية، والحسوبية، وغيرها من نماذج التمايز الاجتماعي والعقائدية، وشعارات من ليس معنا فهو ضدنا، وهو بهذه الصفة لا بستحق احترامنا وتقديرنا والعمل معنا.

المجد والخلود لجميع الشهداء الأبرار الذين سقطوا دفاعا عن سيادة الأمة وكرامتها، في ساحات النضال الوطني في البحرين، وتبا لجميع المتخادلين والمتاجرين بإسم النضال والدفاع عن الشعب المظلوم والمضطهد، والمصالح الوطنية العليا في البحرين، وعاشت انتفاضة مارس الخالدة والمخلده وجميع ضحاياها ورموزها وشهداءها الأبرار، وجميع ثورات التحرر الوطني الصادقة والمخلصة .

* هاني الريس
5 أذار/ مارس 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق