مقالات

هبلة وحمّلوها طبلة بقلم علي الشافعي

image
مثل شعبي مشهور عندنا في بلاد الشام , ولا اعلم رديفه في بقية بلاد العُرْب , والهبلة : المرأة قليلة العقل والفهم . والطبلة او الطبل ــ يا دام سعدكم ـــ من اقدم الآلات الموسيقية الشعبية التي استخدمتها امم الارض جميعها في افراحها واعيادها , واستخدمت الطبول الكبيرة لضبط المشية العسكرية في الاحتفالات والمهرجانات , ومرافقة الجيوش في المعارك لتحميس الجند وضبط حركتهم . ولبني عرب من سالف الازمان مع الطبول حكاية , فقد صنعت كل قبيلة لها طبلا خاصا بها تدق عليه من المساء الى الصباح اذا ما ارادت الغزو . ولعل اشهر واضخم طبل سمعت به العرب هو الراجوج , الذي ظل يدوي في ارجاء جزيرتهم طوال اربعين سنة , في حرب عبثية بين اولاد العمومة (بكر وتغلب ) , اشتركت فيها معظم القبائل العربية وحصدت عشرات الالاف من الارواح , كل ذلك بسبب ناقة . انها حرب البسوس المشهورة في العصر الجاهلي . والراجوج هو طبل بني وائل بن ربيعة . وصدقت الجليلة بنت مرة عندما وصفت اخوتها وابناء عمومتها من رجال القبيلتين : لهم رؤوس كرؤوس البغال واحلام كأحلام العصافير .
ولتفسير المثل اقول : تصدر الطبلة اصواتا عالية جدا وراقصة اذا سلمت لمن يتقن الضرب عليها , اما اذا سلمت لمن لا يحسن الضرب عليها فإنها تصدر ضجيجا صاخبا , فما بالكم اذا سلمت لفتاة قليلة العقل لا تعرف متى وكيف تستعملها . وما رايكم اذا اخذت تضرب عليها بصوت نشاز منتصف الليل او وقت القيلولة . اذن يضرب المثل لمن تسلِّم امرا مَهْما كان , وهو لا يعرف كيف يدير شؤونه , ومتى يستخدم تلك الصلاحية , فيؤذي نفسه ويؤذي عباد الله بدل ان ينفعهم , وكذلك يقال اذا وسّد الامر الى غير اهله . كيف ؟ سأشرح لكم الامر واجري على الله , بعد ان توحدوه وتصلوا على نبيه :
مثلا كثير من الاباء يسلمون ابناءهم المراهقين والذين لم يحصلوا على رخص قيادة بعد , يسلمونهم سياراتهم الخاصة , بحجة انهم يتقنون القيادة بالتدريب العملي , فينطلق الشاب بها مزعجا الناس بزواميرها واصوات التخميس والتفحيط في الشوارع العامة , فيؤذي المارة وقد يتسبب في حوادث تزهق ارواحا كثيرة . واظنكم سمعتم عن ابناء الذوات الذين اقاموا قبل فترة سباقات تفحيط وتخميس في احد ارقى شوارع عاصمتنا الحبيبة .
بعض بناتنا يشتري لها اهلها او زوجها هاتفا راقيا اسوة بفلانة بنت علان فيه جميع الاضافات من نت الى واتس الى عفاريت , فتمضي سحابة يومها عاكفة عليه وتجلس بالساعات اما على الفيس او الواتس او الالعاب , تاركة اعمال البيت على الوالدة , او متحججة بالمرض اذا سال الزوج لِم لَم تفعلي كذا او لم تحضري الطعام , فتدب الخلافات التي لا تحمد عقباها
لندخل في العمق قليلا : يقول الله سبحانه ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ) الاية الخامسة من سورة النساء . و “السفيه” كما ورد في كتب التفسير : كل من لا يحسن التصرف في المال ، ذكراً كان أم أنثى ، فيشمل : المجنون ، والصبي الصغير ، الرجل البالغ – وكذلك المرأة – الذي لا يحسن التصرف في المال ، بل يعبث به ويضيعه وينفقه على ما لا ينفعه . والتحذير في الآية الكريمة لمن لا يحسن التصرف في ماله , فكيف بمن لا يحسن التصرف في مال غيره ؟
وكان الزمان يعيد نفسه وكأننا على ميعاد مع الحروب العبثية تعرفون ـــ يا دام سعد اجداد اجدادكم الاوائل ــ ان الله قد وهب بني عرب نعمة كبيرة ؛ ذلك المخزون الهائل من النفط . الذي هو الان عصب الحضارة . وقد درّ عليهم من الاموال ما ان مفاتحه لو حمّلت على كل جمال بني عرب في صحرائهم المترامية الاطراف لناءت بها , فهل استخدمت هذه الاموال الاستخدام الامثل ؟ هل عادت على بلدانهم بالنفع ؟ هل انفقت في مشاريع اقتصادية تجعلهم ينافسون اقتصادات الدول الكبرى؟ فأموالهم ليست باقل من اموال اولئك . هل اقيمت صناعات عملاقة تشغل ملايين العرب العاطلين عن العمل ؟ هل انفقت جزءا منها على البحث العلمي ؟ اسوة بدولة بني إسرائيل التي تنفق على البحث العلمي سنويا 14 ضعف ما تنفقه دول بني عرب مجتمعة في هذا المجال . هل قضت على جيوب الفقر والبطالة والمرض ؟ هل قللت من عدد الذين يتسولون في الشوارع ؟ او يتسابقون على حاويات القمامة بحثا عن ربطة خبز القاها بعض الميسورين ؟ هل قضت على العزوبية والعنوسة التي تفشت في مجتمعاتنا بسبب ضيق ذات اليد ؟ مع انه لو وزعت هذه الثروات بالتساوي لبُنيَ بيت لكل عربي وتزوج , وامّن عملا وراتبا شهريا محترما .
اين ذهبت هذه الاموال ؟ اين ذهبت ؟ تعالوا معي ــ يا رعاكم ـــ الله لنكشف المستور لنعرف اين ذهبت , وهل عادت على اصحابها بالخير , ام كانت نقمة لان الذين تولوا ادارتها لم يكونوا على قدر المسؤولية , فبددوها وضروا بها انفسهم وشعوبهم . تعالوا نكشف المستور:
1- تمويل حرب الثماني سنوات العجاف (حرب الخليج الاولى) للقضاء على اكبر قوتين في الشرق الاوسط واثارة النعرات المذهبية والطائفية من سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988، خلفت الحرب نحو مليون قتيل وخسائر مالية بلغت 400 مليار دولار أمريكي .
2- شراء الذمم لشرعنة حرب على الدولة المنتصرة وتدمير البنية التحتية وتحطيم اكبر جيش في المنطقة العربية يايد غربية وتمويل عربي , فيما سمي بحربي الخليج الثانية والثالثة , والتي بلغت تكلفتهما حوالي 500مليار دولار بالاضافة الى 365 مليلار دولار اخذت من تلك الدولة وحدها باسم التعويضات . حرب قذرة استخدمت فيها القنابل القذرة (مخلفات اليورانيوم السام )مخلفة خمسة ملايين بين قتيل وجريح ومشوه واسير ومفقود .
3- تمويل تفكيك جيوش ثلاث دول اخرى باسم مكافحة الارهاب لايقاف مد الربيع العربي وشيطنته كلّفهم ذلك حتى اليوم ما مقداره 450 مليار دولار والحبل على الجرار مع تدمير بنية يحتاج عشرات السنوات لا عادة بنائها .
4- تمويل وشراء الذمم للسكوت على الانقلابات العسكرية على شرعية الصناديق التي طالما تشدق بها الغرب وهم اليوم يقفون متفرجين وداعمين باسم الحرب على الارهاب , فكل من خالفهم هو ارهابي يجب القضاء عليه .
5- تمويل صفقات مشبوهة لشراء ذمم ومواقف دول الغرب واشهرها صفقات الطائرات الفرنسية التي رفضتها دول شرق اسيا لمخالفتها للمواصفات ولعيوب في محركاتها
6- اقامة الابراج وناطحات السحاب و الفنادق السياحية الماجنة واحضار اجمل النساء لممارسة الرذائل . وشراء المحطات الفضائية التي تبث الاغاني والمسلسلات الهابطة على مدار الساعة .
7- اقامة المهرجانات, وسباقات الهجن والخيول , والمزادات لاقتناء اجملها واسرعها هل سمعتم بالتيس الذي بيع بمئة الف ريال , بالمناسبة هناك قنوات فضائية متخصصة لهذا اللون من المزادات لمن احب الاطلاع على كيفية اهدار الاموال العربية .
8- انقاذ بعض البلديات الغربية من الافلاس , وخاصة بلدية نيويورك العتيدة ,
وملء برك السباحة بأفخر انواع العطور لتستحم بها احدى الممثلات الساقطات .

والان ما رايكم ــ ايها السادة الافاضل ــ يكفي ام نستمر في كشف المستور . نعلم ان الاصل في بترول العرب ان يكون لكل العرب بغض النظر عن الحدود المصطنعة لا ان يباع في بلد باقل من سعر الماء ويباع بأضعاف اضعاف ذلك في بلد مجاور.

واخير اقول ــ ايها السادة الكرام ــ من منا لم يسمع عن نمور اسيا ( كوريا تايوان اندونيسيا ماليزيا ), انها دول فقيرة قررت ان تخوض معركة البنا وتدخل مجال الصناعات الثقيلة حتى اصبحت صناعاتها تنافس الدول الصناعية الكبرى , وتغزوها في عقر دارها , نظرا لجودتها ورخص ثمنها , وبذلك كسرت شوكة تلك الدول التي ظلت طوال قرن تسيطر على اقتصاد العالم وتلعب بمقدرات الشعوب . ولكن اقول : صدق الله سبحانه اذ يقول : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) (16) سورة الاسراء . طبتم وطابت اوقاتكم

مقالات ذات صلة

إغلاق