الرئيسية

في غزة: من قفص الزوجية إلى السجن؟

في غزة: من قفص الزوجية إلى قفص الاعتقال

أسفر الحِصار المفروض على قطاع غزَّة، عن أفكارٍ غير تقليديةٍ لتجاوز تحدّيات الواقع الاقتصادي البائِس. من تلك الأفكار كان (الزواج بالتقسيط)، حيث افتتحت عشرات الشركات في مختلف محافظات القطاع مكاتب لما يتعارف عليه في غزَّة بـ “تيسير الزواج”. وهي عملياً شركات تسليف تقوم بتوفير احتياجات الأفراح ومُتطلّبات إنشاء بيت جديد وفق آلية سداد شهري، يتعهَّد به المُنتفعون من العرسان بمقابل إيداع سندات ووصولات مالية.

تحت وطأة الاحتياج، يقوم العرسان بالانتفاع من هذه المؤسَّسات التي غالباً ما توفّر لهم الأثاث ومُتطلّبات الأفراح كالحفلات وسيّارات نقل المدعوين والطعام وغيرها.

غير أن فئة كبيرة من هؤلاء العرسان يعجزون عن توفير قسط السداد الشهري، وينتهي بهم المطاف لقضاء الأشهر التي تلي “شهر العسل”، في السجون!

يتجاوز العريس محمَّد ماضي، مرارة الواقع بالتهكّم على الحال، قائلاً للميادين الثقافية: “أولها عسل وآخرها بصل”. وذلك بعدما قضى نحو 3 أشهر في السجن لعدم قُدرته على سداد الأقساط المُستحقّة عليه لصالح إحدى الشركات المذكورة.

يتنهَّد ماضي (28 عاماً) قبل أن يشرح قصَّته، “لم أستطع الشعور بلذَّة الفرح، حتى داهمت الشرطة منزل العائلة وطالبتني بالحضور فوراً إلى المخفر، على أثر شكوى قدَّمها المُستشار القانوني للشركة الميسرة (..)”، مُضيفاً “نحن لسنا لصوصاً أو كاذبين ولكن تحت وطأة الظروف وانعدام فُرَص العمل وعجزنا عن دفع الأقساط أصبحنا نُصنَّف كأصحاب سوابق في نظر الجميع”.

وتُقدَّر تكلفة الزواج في القطاع نحو 15 ألف دولار، وذلك نظراً إلى تعدّد النفقات المُتعلّقة بغلاء المهور والألبسة وحفل الزفاف واستئجار القاعات الفندقية والهدايا المُقدَّمة للمدعوين وطعام الغداء أو العشاء.

ونتيجة لتضاعف نسبتيّ الفقر والبطالة، يضطر العرسان إلى التوجّه إلى جمعيات تقدّم قروض زواج تتراوح بين 1500-3000 دينار أردني وغالباً ما يعجزون عن السداد في الأوقات المشروطة بموجب العقد المُبرَم بين الطرفين.

وتقول إيمان محمّد (إسم مُستعار) وهي سيِّدة حديثة الزواج، من محافظة خانيونس جنوب قطاع غزَّة: “لو كنت أدري أن زوجي سيتعرَّض إلى كل هذه المُضايقات لما كنت قد وافقت على الزواج منه(..) لك أن تتخيَّل أن عريسكِ مُلاحَق من الشرطة بعد أيام من زواجه، الأمر يبدو وكأنكِ ترتبطين بمُجرم، وهذا ليس منطقياً، بل ومؤلِم”.

وأشارت إيمان التي تفصلها أيام قليلة عن موعد وضْع مولودها الأول، إلى أنها اضطرت إلى بيع مصاغها من أجل سداد الأقساط المُستحقّة على زوجها والإفراج عنه، مؤكِّدة أنها تعيش حياة بائِسة نتيجة الديون المُتراكِمة على كاهِل زوجها.

وقالت: “زوجي كان عامِل بناء في إحدى شركات المقاولات، وبعد زواجنا تراجع العمل ولم تُتَح له أية فرصة لسداد ديونه، وهو الآن يقضي يوماً حراً مقابل عشرة أيام في السجن”.

وتشير تقديرات محلية إلى أن نحو 20 شركة “تيسير زواج”، أغلقت أبوابها بسبب عجز المُستفيدين عن السداد وهي تُقاضي الآن عملاءها في المحاكم.

ويعتبر جهاز الشرطة الفلسطينية في قطاع غزَّة، أن قروض الزواج تُشكِّل أكثر من 22% من قضايا الغارمين.

وقال المُتحدِّث باسم الشرطة أيمن البطنيجي، إن الظروف الاقتصادية أفرزت مشاكل عديدة أهمّها عَجْز المُستفيدين من شركات الزواج عن توفير الأقساط المُتراكِمة عليهم، فضلا ًعن أنها خلقت خلافات بين العرسان وكفلائهم الذين يوقِّعون تعهّداً خطياً بالدفع في حال تخلَّف المُستفيد عن توفير الأقساط الشهرية.

وأضاف البطنيجي “في نهاية الأمر نحن نُطبّق القانون ومطالبون بالتعامُل مع الشكاوى التي بين أيدينا، رغم أن العرسان غالباً ما يكونون ضحية الواقع الاقتصادي المُتردّي”.

من جهةٍ ثانية، يعزف فئة كبيرة من الشباب عن الزواج بسبب الظروف الاقتصادية المُتردّية، وتجاوز مستوى البطالة وفق آخر إحصاءات حدود الـ60%، وهو أمر يصفه رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي حسن الجوجو، بأنه “عَنْوَسة مُركَّبة” ويقصد به عزوف الشاب الذي تجاوز عمره الثلاثين عاماً عن الزواج من فئتي الذكور والإناث.

وأوضح الجوجو أن “هناك انخفاضاً في نسبة الزواج خلال العام الماضي بفعل الضائِقة الاقتصادية التي يمرّ بها قطاع غزَّة”، مُشيراً إلى أن “الحصار وسوء الوضع الاقتصادي تسببا بشكلٍ أساسي في زيادة التفكّك المجتمعي والأُسَري، وساهما في زيادة حالات الطلاق مُقارنة بالزواج”.

لكن الجوجو طرح حلاً في تصريح صحفي سابق، يقضي بمساعدة الشباب على الزواج وتحقيق التكاتُف المجتمعي، يتمثّل في حثّ الأُسَر والعائلات على مُراعاة أحوال العرسان الجُدُد، وعدم تحميلهم تكاليف لا يطيقونها، والاكتفاء بمظاهر زواج بسيطة، والاستغناء عن عادات وتقاليد لا لزوم لها.

وقال إن “جمعيات تيسير الزواج يجب أن تكون داعِمة للشباب، وتكتفي بهامشِ ربحٍ بسيط، وألا تستغلّ حاجتهم وتُرهقهم بأعباء إضافية تؤدِّي إلى عدم الاستقرار، وإلى الطلاق”.

المصدر : الميادين نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق