الرئيسيةمقالات

جلالة الميكروب و نَمارِدَةٌ العصر الخوف من مَلِكِ الموت أم مَلاكه ؟

بقلم: لينا ابو بكر

كلما كانتْ الكبائرُ دنيئةً وحقيرةً ، كلما كان الفيروسُ أصغرَ و أشدّ خُطورةً ، هذه حكمة الطبيعة ، وقوانين الفيزياء ، وفلسفة السماء ….فمن أين نبدأ : من الخطأ أم من العقاب ؟

كورونا ليست فيروسا لقيطا ، بل هي ابنة سلالة شهيرة ، تمتد إلى شجرة الفيروسات الإكليلية ، التي اكتشفت أول مرة في ستينات القرن الماضي ، وأخصبتْ شُعَبا ميكروبية ، تهاجم الجهاز التنفسي ، حتى ليصبح الهواء عدوا مباشرا يهدد حياة الأنسان ، التي لا يمكن لها أن تكون بدونه ، وهي مفارقة عجيبة ، لأن التحدي الحقيقي ليس بنظافة الرئتين ، بل بنظافة الهواء .. هل يستطيع جبابرة هذا العصر أن يعتقلوا الهواء ؟

استنادا إلى ” المورفولوجي ” أو علم التشكل ، فإن الفيروس يشبة التكور البصلي ، الذي يظهر على شكل أزواج صدفية كثيفة والكترونية ، تفرق بين المرء وزوجه ، فكلما اتحد الفيروس وتآلف ، تفسخت الحميمية في العلاقات الاجتماعية ، حتى أضحى أقربُ الناس إليك خطرًا عليك ، و إنها لعبة الفيروسات يا خَيْ !

اعتاد الفقراء والأبرياء أن يدفعوا ثمن المناطحة بين الوحوش و اللصوص، حتى جاء الفيروس ، قلب الطاولة ، ورشق عتاة العصر، وجبابرة الشر ، بِكُراِته البصلية ، و ” تاجه القنفذي ” الذي يخرج من بول الخنازير ، و مخاط الخفافيش ، و لا يمكنهم رؤيته بالعين المجردة ، إذ يبلغ قطر جزيئاته حوالي 120 نانومتر ، بما هو أحقر من بعوضة نمرود ، إن أخذت بعين الاعتبار أن النانومتر ، هو جزء من مليار جزء من المتر … وهذا تماما ما يليق بالعُتاة ، فكلما تجبّروا ، استحقوا عقابا تافها وهزيلا بهذة الضآلة ، وهذا الفتك ، أليست هذه هي عدالة السماء يا صاح !

المؤامرة جماعية ، تخطط لها قوى عظمى ، و تشترك فيها الشعوب ، طالما أن الميكروب -المجهري- أثبت ذكاء يفوق احتمال الإنسان ، ويفضح ضعفه ، بفعالية تخترق عتاد الجيوش و مخيلة العلماء ، فالأمم التي لم تعزلها الحروب ، ولم يوهن عزمها الطغاة ، ولم يدمرعزيمتها الغزاة ، ولم تحظر صلواتها الفيلة ، ولا الوحوش -على اختلاف أحجامها ، ترتجف ، من مجرد فيروس !

جلالة الفيروس كورونا ، يرتدي تاجا ، بلا صولجان ، يحكم كوكبا بأسره ، فيصبح بقدرة قادر ، الملك الميكروب ، الذي يضرب التيجان بحجرين : المورفولوجي والتكتيكي ( الشكل و الفعل ) ، يصدر فرمانا بالسجن ، والحصار ، يمنع القبلات ، والمصافحات ، يقفل دور التعليم ، ودور العبادة ، يحظر على المرضى ارتياد المستشفيات ، و يحول القصور والبيوت إلى زنازين طوعية ، بلا سجانين ولا كلاب حراسة ، الخوف وحده ، هو الكلب الوحيد الذي استوطن العقول ، يحرس أبوابها الزجاجية ، و يقيد حكمتها الغريرة ، الخوف هو المخبر العسكري لصاحب الجلالة : كوفيد – 19 !

يا لمكة …. وحيدة ، مهجورة ، كعذراء بلا مسيح ، يحدها الوباء من كل الجهات ، وهي القبلة التي تحرسها الصلوات ، و تذود عن حياضها السماوات ، وطيور الأبابيل وحجارة السجيل ، من عام الفيل إلى عصر الذرة والأساطيل ، كيف تُخضعها حَمْلَة ميكروبات ؟

• هل تغدو عزلتك في بيتك ، أكثر حصانة من صلاتك في بيت ربك ….. ويلاه ما أخس الخوف حين يقهر الخشوع ، ويلاه !

لم يزل المنافقون ، يدافعون عن أصنامهم ، وأصنام غزاتهم ، أكثر مما تعز عليهم صلواتهم … ثم يحدثونك عن الراية المحمدية ! ألم يكشف كوفيد بني الأصفر ، زيفهم ؟ من أخطر إذن : فيروس النفاق ، أم فيروس كورونا ؟

انقلبت المعايير وتشوهت القيم ، في زمن الوباء ، الذي يُعظّم السّفيه ، ويُسَفّه النّبيه ، يحرس العالم السفلي اللصوص ، و ينهش لحم الفقراء ، يقدس اللقطاء ، و يستهزئ بالشهداء ، يحترم حق المنحرفين بالانحلال ، بذريعة الحرية ، و يعاقب أصحاب الحق على نضالهم ، للانعتاق من أرض الظلام … هذا زمن أمور ، ومقلوب ، واجهته قفاه ، زمن بلا رجال ، ولا شرفاء ، ولا أبطال ، زمن يحتاج لتأديب ، والفيروس يقوم بالمهمة على أكمل وجه ، فلم لا تشكر الوباء ؟

يا أهل غزة ، يا أبطال السجون ، يا سكان مقابر الأرقام ، يا جثامين الشهداء المحتجزة فوق صليب الثلج ، هذا زمان الحصار ، أنتم وحدكم خارج الزمن ، أنتم فقط الأحرار ، والعالم كله مُعتقلٌ في زنزانة انفرادية خانقة ، اسمها كورونا ، فلا زيارات ، و لا فسحات ، ولا تهريب قبلات ، ولا أحضان ، ولا ملاءات مُحرمة ، ولا حريم ولا نسوان ، ولا محارم ورقية ، ولا معقمات ، ولا واقيات إحم إحم ، ولا رحلات و غزوات ولا موت ولا حياة ، هنا وجود حيادي كالعدم …أما أنتم هناك، فرسان الجنات ، انتصرتْ لكم السماوات ، وقد خذلتكم الأرض ، طوبى لكم ثم طوبى يا أبناء السماء …لم تخسروا حروبكم وقد هزمتُم الزمنْ !

ما أجمل العدالة ، حين تأتي في وقتها ، فلا تستقدم ساعة ولا تؤخر ، لقد عم الفساد و انتشرت القذارة ، حتى غدت عقيدة ، أصبح النضال في سبيلها بطولة ، في زمن خسيس ورخيص ، يقاتل ليُجامِل ، و يسالم ليُخاذِل !

يا أولاد كورونا ، أتى زمن عليكم ، تخرون فيه سجدا لما هو أحط من ذبابة ، و أهوج من جائحة ، وقد تعاليتم على رب الأعالي ، فعمّ تتساءلون : عن الثمن أم عن السبب ؟

لا تبك أيتها المآذن الحزينة ، ولا يحزن قلبك أيتها الصلوات ، إنه عام العقاب ، لا عام الوباء ….. وفيروسات النفوس أشد فتكا من الفيروسات التاجية ، عندما يعجز العلم عن الشفاء ، يبرئك هاتف عاجل مع الله ، هو الدعاء !

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق