الرئيسيةمقالات

هل يشكل تحرير حلب الفصل ما قبل الأخير لنهاية “الثورة” السورية المسلحة والحلم التركي بضمها؟ ولماذا كان الرئيس الأسد “حذرا” في احتفاله بهذا الانتصار؟ وهل ستنجح استراتيجية اردوغان في التهديد للوصول الى التهدئة في ادلب وكيف؟

عبد الباري عطوان

ليس من قبيل المبالغة القول بأن السيطرة الكاملة للجيش العربي السوري على مدينة حلب العاصمة الاقتصادية وريفها، هو المحطة قبل الأخيرة  لنهاية “الثورة السورية” بشقيها السياسي والعسكري، والانتصار الأكبر لهذا الجيش منذ سقوط أجزاء كبيرة من المدينة في ايدي الجماعات المسلحة عام 2012.

الرئيس السوري بشار الأسد كان على رأس المحتفلين بهذه المناسبة الكبرى، وسارع بإلقاء خطاب قصير اتسم بالهدوء والثقة والحذر في الوقت نفسه، بعيدا عن الشعارات والتهديدات والتطاول على الخصوم، وكان محقا في حذره عندما قال “ان هذا التحرير على أهميته لا يعني نهاية الحرب وسقوط المؤامرة، وانما هو تمريغ انوف الإرهابيين في التراب ويجب التحضير لما هو قادم من المعارك”، مشيدا بصمود اهل المدينة وتضحيات الشهداء من أبناء الحيش المقاومة.

استعادة مدينة حلب لسيادة الدولة السورية، اهم خطوة على طريق التعافي الاقتصادي الى جانب السياسي لسورية، وإعطاء زخم كبير لمعركة اعادة الاعمار، فليس هناك اذكى واكثر دهاء من تجار هذه المدينة ورجال اعمالها، فلم يهبطوا في مكان، داخل سورية او خارجها، الا وحولوه الى معجزة اقتصادية مزدهرة.

يوم الأربعاء ستحط اول طائرة قادمة من دمشق في مطار حلب الدولي منذ اغلاقه عام 2012، وسيتم برمجة رحلات أخرى منه الى القاهرة وربما الى دبي ومدن عربية أخرى، اما الطريق السريع الدولي الذي يربط المدينة بالعاصمة دمشق (M5) سيكون جاهزا بنهاية هذا الأسبوع، الامر الذي يشكل بداية قوية لعودة الحياة الى شرايين الاقتصاد الوطني رغم الحصار والحرب.

***

هذه الانتصارات الميدانية للجيش العربي السوري تقابلها حالة من التأزم في أوساط الفصائل المسلحة وحليفها التركي مع اقتراب معركة ادلب الفاصلة، فمن الواضح ان تهديدات الرئيس رجب طيب اردوغان باستخدام القوة، وضرب هذا الجيش في كل مكان التي ترافقت بإرسال عشرة آلاف جندي و80 دبابة و150 عربة مدرعة لم تعط اوكلها، ولم تُوقف تقدم الجيش السوري، بل أعطت نتائج عكسية تماما.

الرئيس اردوغان يُكثر من التهديدات ليس من اجل تنفيذها، وانما الضغط على الطرف الآخر للوصول الى اتفاقات تهدئة، ولكن هذا النهج لم يعد مجديا، وبات مكشوفا، بدليل ان ثلاثة اجتماعات لوفود تركية وروسية في انقرة وآخرها يجري الآن في موسكو لم تتوصل الى نتيجة بسبب التصلب الروسي، وتمسكه بشروطه في القضاء كليا على الجماعات المسلحة المصنفة إرهابيا، لتراجع ثقته بـ”الحليف التركي” وتهربه من الإيفاء بالتزاماته.

مهمة الوفد التركي الذي يضم عددا من قادة الجيش والمخابرات لن تكون سهلة في موسكو، خاصة بعد ان قام الرئيس اردوغان بزيارة “نكاية” الى أوكرانيا، وصرخ قائلا امام حرس الشرف “المجد لاوكرانيا”، واعلن دعمه لعودة شبه جزيرة القرم للسيادة الأوكرانية مثلما كان عليه الحال قبل ضم الرئيس بوتين لها، وكذلك مهاتفته للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وطلب مساعدته وحلف الناتو، وتزويده جبهة “النصرة” بصواريخ استخدمتها في اسقاط مروحيتين سوريتين في كسر لقواعد الاشتباك واختراق كبير لاتفاق سوتشي، وعبر عن هذا الامتعاض ديمتري بيسكوف، الناطق باسم الرئيس بوتين عندما قال “القوات والمستشارون الروس يدعمون الجيش السوري في مكافحة الإرهابيين” معربا في الوقت نفسه عن اسفه “إزاء عودة نشاط الإرهابيين انطلاق من ادلب”، في إشارة الى ارسال جبهة “النصرة” طائرات مسيرة لقصف قاعدة حميميم الروسية قرب اللاذقية.

مشكلة الرئيس اردوغان الكبرى تنحصر في خوفه من تدفق ثلاثة ملايين لاجئ من ادلب وجوارها الى الأراضي التركية، سيندس بينهم آلاف المسلحين المتشددين، الامر الذي سيشكل عبئين على عاتق حكومته الأول، امني، والثاني، اقتصادي، وفي ظل ظروف صعبة تواجهها البلاد المحاطة بأعداد من كل الجهات، وبدون أي أصدقاء، مع تصاعد المعارضة الداخلية في الوقت نفسه.

التهديد بفتح معركة ضد الجيش العربي السوري في ادلب او النصف المتبقي منها خارج سيطرة هذا الجيش لن يحل هذه المشكلة، بل سيزيدها تعقيدا، ولا نعتقد ان اكثر من مليون لاجئ يرابطون حاليا على الحدود التركية سيترددون لحظة في مواجهة الرصاص الحي، واقتحام هذه الحدود طلبا  للسلامة في الجانب الآخر.

استعادة السيادة السورية على مدينة ادلب حق مشروع، ومحاربة الجماعات المصنفة إرهابيا واجب وطني للجيش العربي السوري تماما مثلما فعل في جميع المدن السورية الأخرى على مدى تسعة أعوام، ويكفي تذكير الرئيس اردوغان بان تركيا تخوض حربا شرسة ضد الانفصاليين الاكراد منذ اكثر من 30 عاما استخدمت فيها كل أسباب القوة، وانه هو شخصيا اعتقل اكثر من 70 الفا، وفصل حوالي 120 الفا من وظائفهم بتهمة المشاركة في الانقلاب العسكري، او الانتماء الى حركة خصمه وحليفه السابق فتح الله غولن، ونسبة كبيرة من المعتقلين او المفصولين من كبار الضباط والكفاءات الاكاديمية والعلمية.

***

عودة حلب الى السيادة السورية كاملة، وأد لكل الاطماع التركية في هذه المدينة، والمركز الحضاري الذي تمتد جذوره لآلاف السنوات، وستنهض حتما من وسط ركام الدمار رافعة الرأس وناظرة الى المستقبل، ومحافظة على هويتها العربية والإسلامية كرمز للتعايش والمحبة والازدهار.

من يتابع حسابات المعارضة السورية ورموزها وانصارها على وسائل التواصل الاجتماعي يلحظ حالة متفاقمة من “خيبة الامل” تجاه حلفائها، والأتراك منهم على وجه الخصوص، ويتهمونهم بخذلانها والتخلي عنها، وذهب بعضهم الى ابعد من ذلك عندما قارن بدعم الروس لحلفائهم السوريين والتضحية بدماء جنودهم في ميادين القتال، بينما لم يقدم هؤلاء الحلفاء الاتراك غير غير التهديدات فقط، ويذهب البعض الى ما هو ابعد من ذلك ولا يستبعد ان يكون الخلاف التركي الروسي مجرد مسرحية، هذا الإحباط هو العنصر الأهم في انهيار “الثورات”.

حلب عادت الى السيادة السورية معززة مكرمة كأحد اكبر ثمرات الصمود والتضحية، وحتما ستلحقها ادلب، وستعود المدينتان اكثر جمالا وازدهارا، وبأسرع ومن ممكن.. والأيام بيننا.

Print Friendly, PDF & Email

المصدر : رأي اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق