كتب: فادي أبو بكر
كاتب وباحث فلسطيني
بعد فشل كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بينامين نتنياهو ورئيس تحالف “أزرق أبيض” بيني غانتس من تشكيل الحكومة الإسرائيلية، لم يبقى أمام الكنيست الإسرائيلي المؤلف من 120 مقعداً سوى مهلة زمنية قصيرة تنتهي في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2019، إمّا أن يتم خلالها جمع 61 توقيعاً ومنح مرشح أسبوعين لمحاولة تشكيل الحكومة، أو يحلّ الكنيست نفسه بموجب القانون ويدعو إلى انتخابات جديدة. إلا أنه يبدو أن تشكيل حكومة إسرائيلية بات أمراً مستبعداً في ظل الفشل المتكرر لجولات الحوار الدائرة بين نتنياهو وغانتس.
يعتبر انضمام رئيس حزب “اسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان لأي كتلة، أقوى السيناريوهات القائمة لتشكيل الحكومة ومنع انتخابات اسرائيلية ثالثة، إلا أن هذا السيناريو ما زال ضبابياً بفعل تصريحات ليبرمان المتقلبة بين الحين والآخر، فتارةً يُبدي توجهه نحو غانتس وتارةً يهدد بالانضمام إلى حكومة ضيقة مع نتنياهو. ويبدو أن تقلباته هذه ناتجة عن قراءته للمصلحة الحزبية الخالصة. ولكن بالرغم من قرار ليبرمان في النهاية، وإن تشكلت الحكومة الإسرائيلية، فإن درجة الانقسام داخل البيت الإسرائيلي، قد وصلت إلى مستوى لن تقتصر آثاره على مرحلة الانتخابات الحالية.
يمكن أن نستشف ذلك من الخطاب الذي ألقاه غانتس ليلة السبت الموافق 23 نوفمبر/ تشرين ثاني 2019، والذي حذّر فيه من أن بنيامين نتنياهو يخاطر في جر البلاد الى حرب أهلية – حرفياً، على حد تعبيره، “حرب الأخ ضد أخيه”، وانتقد نتنياهو على سلوكه كزعيم للمعارضة في عام 1995 وحدد منذراً ًبالقول: “الرجل الذي قاد حملة تحريض قاسية ومؤلمة ضد رئيس الوزراء يتسحاق رابين، حملة انتهت بكارثة وطنية مروعة، عليه أن يعرف جيداً الثمن الخطير للكلمات، التي قد تتحول لا سمح الله الى رصاصات قاتلة”.
إن استعادة غانتس لذكرى يتسحاق رابين، لم تكن حركة بريئة، وتُدلّل على مدى خطورة الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، ويبدو أن تحريض نتنياهو الاعلامي المستمر يؤكد أيضاً أن نتنياهو مستعّد لأي خطوة في سبيل البقاء سياسياً، وإن كانت على حساب الجبهة الداخلية الإسرائيلية ومصلحة”إسرائيل” الأم، خصوصاً في ظل تهم الفساد والاحتيال الموجّهة ضده.
وفي نفس السياق، هاجم رئيس دولة الاحتلال رؤوف ريفيلين في خطابه في مراسم ذكرى أول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون يوم الخميس الموافق 5 ديسمبر/ كانون الأول 2019 كل من غانتس ونتنياهو بسبب الفشل بتشكيل حكومة وإمكانية انتخابات ثالثة، قائلاً: “يبدو أنكما أصبتما بالجنون. ان اردتما هذا-فلكما الجنون. ولكن لا تجرّا شعب إسرائيل الى هذا الجنون؟”. وعليه يمكن القول أن الأزمة لم تعد أزمة ديمقراطية فحسب، وإنما أزمة انقسام حقيقية تعيشها “إسرائيل”.
ونقول في هذا الصدد إن كانت “إسرائيل” قد وُلدت من رحم الحروب والعدوان الإرهابي ضد الشعب الفلسطيني، وتتغذّى على فرقة وانقسام الفلسطينيين، فإنها ستزول على قاعدة المثل الذي يقول “يذوق الطباخ من سمه ولوبعد حين”..
ولا يقف الأمر عند “إسرائيل” فحسب، بل يبدو أن حلفائها التاريخيين في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، سيغرقون في مستنقع الاعلام الذين كانوا يتلاعبون فيه، حيث أشار تقرير أعدّته مجلة (Daily Mail) البريطانية في 23 نوفمبر/ تشرين ثاني 2019، إلى أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة قامت بتزوير تقرير حساس حول هجوم كيميائي مزعوم في سورية، وأن كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة شنّت ضربة عسكرية كبيرة رداً على الهجوم المزعوم دون انتظار اثبات حول استخدام هذه الأسلحة بالفعل!.
تعيد هذه القضية للأذهان ما قام به رئيس الحكومة البريطانية الأسبق طوني بلير من تزوير لملفات لتبرير الغزو الأمريكي للعراق، والتقارير الكاذبة التي سرّبتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن للإعلام، والتي تزعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. حيث يتأكد هنا بأنه لا وجود للجريمة الكاملة مهما بلغت درجة ذكاء المجرم، فها هي إسرائيل تذوق من سمّها ومن طبختها المسمّاة “فرّق تسد”، وها هي بريطانيا وأميركا اللتان استخدمتا سحر الإعلام لتنفيذ عدوانها في العراق وسورية، ينقلب عليهما سحرهما ويفضحهما إعلام بلادهما.
ماذا يمكن للشعوب العربية أن تتوقع؟، ومن تناشد؟، وإلى ماذا تتوق؟، وقد وصلت الأمم المتحدة بمنظماتها ومجالسها إلى هذا المستوى من الدناءة!..أي عالم هذا الذي نعيش؟، ومن يُفترض أن يحمي حقوق قاطنيه، يخضع لقوى تمارس أبشع أنواع الإرهاب المتمثل في”الديمقراطية الإرهابية”. . في ظل هذا كله لا يسعنا ختاماً إلا أن نقول ونتمنى بأن السحر سينقلب على الساحر وأن الطبّاخ سيذوق من سمّه ولو بعد حين!.