مقالات
إرادة الله تُعجز وتُنجِز! * رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – * السلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة. عنوان السلسلة: “أنوار اليقين: بين رحلة التوحيد والإيمان، في زمن التحديات”4”
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

* عنوان المقالة: “عجوزٌ حمَلَت: ما لا يخطُر ببال، بشائرُ الرب القدير” (4)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
في مشهد لا يُصدّق… امرأةٌ تعجّبَتْ من رحمة ربّها!
تخيل لحظةً… عجوزٌ تجاوزت التسعين من عمرها، لم تنجب في شبابها، ولا بقي لديها رجاء في أمومة، حتى غدت بين نساء زمانها مثلاً في العُقْم واليأس من الذرية.
وفجأة، يدخل الملائكة على زوجها إبراهيم عليه السلام، في صورة ضيوف، وبعد حوارٍ لطيف، يأتون بالبشارة التي لا تخطر على قلب بشر: ﴿وَٱمْرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٌۭ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ﴾ (هود: 71)، فما كان منها إلا أن ذُهلت، تعجّبت، واستنكرت بشارة لا تحتملها قوانين البشر: ﴿قَالَتْ يَـٰوَيْلَتَىٓ أَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٌۭ وَهَـٰذَا بَعْلِى شَيْخًا ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌۭ﴾ (هود: 72).
نعم، إنه عجيب في عيون الناس، لكنه يسير وسهل على من بيده الأمر كله، والذي إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون.
* من رحم العُقْم… نبيٌّ بعد طول انتظار
لقد رزق الله إبراهيم عليه السلام بابنه إسماعيل من هاجر، قبل أن يُرزق بإسحاق من سارة بسنواتٍ طويلة جدًا، وكانت سارة قد شاخت، وبلغت من الكِبَر عتيًّا، فانقطع عنها الأمل البشري في الإنجاب، وأذعنت لقدر الله راضيةً مؤمنة، حتى جاءت البشارة التي أدهشتها كما تُدهشنا اليوم:
﴿فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُۥ فِى صَرَّةٍۢ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌۭ﴾ (الذاريات: 29)، فمن كانت ترى نفسها عقيمًا في ريعان شبابها، كيف تُبشَّر بالحمل في أرذل العمر؟!
لكنها سنة الله في عباده: أن يُخرِج من رحم المستحيل أعظم آيات التوحيد، وأن يجعل من صبر الموقنين منارًا للأمم.
* ما وراء المعجزة: رسالة لكل مؤمن ومؤمنة
لم تكن القصة لمجرد السرد، ولا الحدث لمجرد الإعجاز.
إنها إعلان رباني أن الظروف ليست عائقًا أمام القدرة الإلهية.
حين تأتيك البشارة من الله، لا تقل: “أنا عجوز”، ولا “أنا فقير”، ولا “أنا محدود الإمكانيات”، او تغلّب علينا العدوّ
فإن الله يهب لمن يشاء ما يشاء، وقتما يشاء، كيفما يشاء.
هذه القصة تردّ على كل يائس، وتصفع كل من قيّد نفسه بقيود الواقع، ونسِي قدرة الله الفعّال لما يريد.
فكم من “سارة” في هذا الزمن، ترى الواقع مغلقًا، وتظن أن لا جديد يمكن أن يحدث…
حتى تأتيها بشارة من الله، لا تخطر ببال، تُدهشها، وتُحيي قلبها من جديد.. وكيف بمن ظنّ أن النصر قد تبخّر وانتهي الأمر وإذ بالقدير علّام الغيوب يغير الواقع من هزيمة محققة الى نصرٍ مظفّر لأوليائه وخاصّته والتاريخ حافل بالأمثلة والوقائع.
* ومضة من زمننا: بشائر لا تُرى
رأيتُها… امرأةً تجاوزت الأربعين، لم تُرزق بطفل، كاد قلبها ينكسر، حتى همست لنفسها: “سارة كانت أكبر مني سنًّا… والله لا يعجزه شيء!”
مرت شهور… فإذا بها تُبشَّر بحملٍ بعد سنوات من العلاج والدموع، فتبتسم وقد ارتفعت عيناها إلى السماء: “ربّي، ما أعظمك!”
* ومضة ختامية
ليست القصة مجرد امرأة حبلت، بل قصة رحمة نزلت، وبشارة عظيمة بدأت بها أمة من الأنبياء.
وهكذا، إن تعلق قلبك بالله، وآمنت به يقينًا، فانتظر دائمًا من السماء شيئًا “لا يُصدَّق”…
لكن أن تؤمن به بكل يقين، وتعرف من هو ربك المدهش إذا أعطى، العجيب في عطائه، القادر على كلّ شيء ﴿رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٌ﴾ (هود: 73)… وللحديث بقيّة، بوركتم ولكم مني التحية والسلام في هذا اليوم الثامن من ذي الحِجّة إنه يوم التروية
* عنوان مقالة الغد إن شاء الله: “دعاء زكريا: حين أنجبت العاقر نبياً”
* اللهم في خير أيامك، ارزقنا إخلاصًا لا يداخله رياء، وبصيرة لا يعترضها هوى، ووفّق أمتنا لما فيه عزها، وامنن علينا وعلى أبناء شعبنا بالأمن والسلام.
* مقالة رقم: (1981)
* 08. ذو الحجة. 1446 هـ
* ألأربعاء. 04.06.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)